٢ ذهب أهل السنة إلى أن مرتكب المعاصي بما فيها الكبائر غير خارج عن الإيمان إلى الكفر، بل هو مؤمن ناقص الإيمان. قال الإمام أحمد: "... والكف عن أهل القبلة، ولا نكفر أحداً منهم بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل إلا أن يكون في ذلك حديث فيروى الحديث كما جاء، ونصدقه ونقبله". (انظر رسالة السنة ص٧٢) . وقال الطحاوي: "ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله" (انظر شرح الطحاوية ص٢٦١) . وقال البيهقي: "باب القول في مرتكب الكبائر" قال الله عز وجل {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ، بلا عقوبة وقد يعاقب بعضهم على ما اقترف من الذنوب، ثم يعفو عنه، ويدخل الجنة بإيمانه لقوله: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} ثم ساق عدة أحاديث تؤيد ذلك ومنها حديث عبادة الذي يقول في إحدى رواياته "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بها لم يضيع منها شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة" (انظر الاعتقاد ص٨٥، ٨٦) . وقال ابن حجر: قال المازني في حديث عبادة: "فيه رد على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب، ورد على المعتزلة الذين يوجبون تعذيب الفاسق إذا مات بلا توبة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه تحت المشيئة، ولم يقل أنه لابد أن يعذبه". (انظر فتح الباري ١/٦٨) . وقال الحافظ الصابوني: "ويعتقد أهل السنة أن المؤمن وإن أذنب ذنوباً كثيرة صغائر أو كبائر، فإن لا يكفر بها..." (انظر عقيدة السلف وأصحاب الحديث ١/١٢٤، ١٢٥ ضمن مجموعة الرسائل المنيرية) . وقال شارح الطحاوية: "أهل السنة متفقون كلهم على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفراً ينقل عن الملة بالكلية، كما قالت الخوارج، إذ لو كفر كفراً ينقل عن الملة لكان مرتداً على كل حال، ولا يقبل عفو ولي القصاص ولا تجري الحدود في الزنا والسرقة وشرب الخمر، وهذا القول معلوم بطلانه وفساده بالضرورة من دين الإسلام، ومتفقون على أنه لا يخرج من الإيمان والإسلام، ولا يدخل في الكفر، ولا يستحق الخلود مع الكافرين كما قالت المعتزلة، فإن قولهم باطل أيضاً، إذ قد جعل الله مرتكب الكبيرة من المؤمنين. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} إلى أن قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} لم يخرج القاتل من الذين آمنوا وجعله أخاً لولي القصاص، والمراد أخوة الدين بلا ريب". (انظر شرح الطحاوية ص٢٦٧) .