للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثامن: منهج الأشعري]

تعدد منهج الأشعري تبعاً لمواقفه المختلفة من العقيدة الإسلامية فنجده أولاً ينهج نهج المعتزلة ويسلك مسلكهم في الاستدلال على العقائد فيقدم العقل على النقل، ولا يهتدي في ذلك بكتاب أو سنة، وبرع في استخدام العقل والمجادلة والنظر حتى أن شيخه الجبائي كان ينيبه عنه في مجلسه وكان هذا في الطور الأول الذي سبقت الإشارة إليه.

ولما هداه الله إلى الحق، وخلع ثوب الاعتزال سلك منهجاً آخر، وهو التسليم لما جاء به النقل مع محاولة تحليل ما يتعارض مع رأيه بالعقل، مثل قوله في نظرية الكسب١ كما جاءت في كتابه اللمع، وكذلك سكوته عن الصفات الخبرية وعدم ذكره لها، ويعدّ ذلك مرحلة انتقالية من مذهب تصور أصوله ومسائله إلى مذهب آخر لم يقف إلا على القليل منه، وكان ذلك في طوره الثاني.

ولما استقر على مذهب السلف أهل السنة والجماعة، ووقف على مسلكهم ممثلاً في الإمام أحمد بن حنبل الذي شاد به وأثنى عليه في طوره الأخير نهج نهجهم وسلك طريقتهم، والتي تعتمد أساساً على الكتاب والسنة، وقد صرح بذلك في كتابه الإبانة، والرسالة التي معنا.

وعلى هذا يمكن أن نقرر أن الأشعري كان ينطلق من منطلق السلف في هذه المرحلة، ويقدم النقل على العقل، ويجعل العقل تابعاً لما ورد به النص ويؤمن بأسماء الله وصفاته وجميع ما جاء به النقل من الغيبيات، ويرى الاحتجاج بأحاديث الآحاد، بل يستدل بها في العقيدة، ثم في النهاية يستخدم الحجج العقلية ليدحض آراء الخصوم ويؤيد النص المنزل من عند الله، وقد شهد له ابن تيمية - رحمه الله - بذلك فقال: "والأشعري يثبت الصفات بالشرع تارة وبالعقل أخرى، ولهذا يثبت العلو ونحوه مما تنفيه المعتزلة، ويثبت الاستواء على العرش، ويرد على من تأوله بالاستيلاء ونحوه مما لا يختص بالعرش"٢.


١ الكسب من الأمور الغامضة ولا حقيقة له كما قيل عند الأشاعرة اقتران قدرة العبد بالفعل دون أن يكون لقدرته تأثير البتة. (انظر الإرشاد للجويني ص١٨٧- ٢٠٣) .
٢ انظر: الموافقة ٢/٨.

<<  <   >  >>