٢ ذهب الأشعري إلى هذا التفضيل كما سبقه غيره إليه أخذاً من مفهوم القرآن والسنة - كما سيأتي بيانه-. فالقرآن مثلاً فضل السابقين إلى الإسلام، والمجاهدين في سبيل الله على غيرهم، قال تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} (النساء آية: ٩٥) . وقد أشار الأشعري إلى ذلك في الإجماع الآتي. وعلى هذا الأساس السابق فضل أهل السنة والجماعة أهل بدر على غيرهم من الصحابة، وقد خصهم النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه بأفضلية لم يشاركهم فيها غيرهم لما قال: "لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة، أو فقد غفرت لكم" أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب ٩ج٥/١٠، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب ٣٦ج٤/١٩٤١، وأبو داود في كتاب الجهاد باب ١٠٨ج٣/١٠٨، والترمذي في كتاب التفسير باب ٦١ج٥/٤٠٩، والدارمي في كتاب الرقاق باب فضل أهل بدر ٢/٣١٣، وأحمد في المسند ١/٨٠. وكذلك جاء في السنة تفضيل العشرة على هؤلاء للنص عليهم بأعيانهم بأنهم في الجنة، وهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والزبير بن العوام، وطلحة بن خويلد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد. انظر سنن الترمذي كتاب المناقب باب ٢٦ج٥/٢٦٤٧، وأبو داود في كتاب السنن باب ٩ج٥/٣٩، وابن ماجة في مقدمة سننه باب ١١ج١/٤٨. أما الخلفاء الأربعة فهم في المقدمة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا باتباع سنتهم دون غيرهم كما جاء في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه: "... عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي.." أخرجه الترمذي في كتاب العلم باب ١٦ج٥/٢٤٤، وأبو داود في كتاب السنة باب ٦ج٥/٢١٣، وابن ماجة في مقدمة سننه باب ٦ج١/١٥، وأحمد في المسند ج٤/١٢٦، والدارمي في مقدمة سننه باب اتباع السنة ١/٤٤. وهم على الترتيب الذي ذكره الأشعري في أرجح الأقوال، قال ابن عمر: "كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم". أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة باب ٤ج٤/١٩١، وانظر سنن أبي داود كتاب السنة باب ٨ج٥/٢٤، والترمذي كتاب المناقب باب ١٩ج٥/٦٢٩. وقال ابن حجر في تعليقه على هذا الحديث: "وفي هذا الحديث تقديم عثمان بعد أبي بكر وعمر، كما هو المشهور عند جمهور أهل السنة" ثم حكى الخلاف في ذلك وختمه بقوله: "وحديث الباب حجة للجمهور" انظر فتح الباري ٧/١٦، ٣٤. وقال الإمام أحمد: "وخير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر بعد أبي بكر، وعثمان بعد عمر، وعلي بعد عثمان، ووقف قوم على عثمان، وهم خلفاء راشدون مهديون، ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هؤلاء الأربعة خير الناس" (انظر رسالة السنة ص٨٧) . وقال ابن الصلاح: "أفضلهم على الإطلاق أبو بكر، ثم عمر، ثم إن جمهور السلف على تقديم عثمان على علي...، وتقديم عثمان هو الذي استقر عليه مذاهب أصحاب الحديث وأهل السنة، وأما أفضل أصنافهم صنفاً، فقد قال أبو منصور البغدادي: أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة ثم الستة الباقون إلى تمام العشرة، ثم البدريون، ثم أصحاب أحد، ثم أهل بيعة الرضوان. قال ابن الصلاح: وفي نص القرآن تفضيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وهم الذين صلوا إلى القبلتين في قول سعيد بن المسيب..". (انظر علوم الحديث ص٢٦٨، ٢٦٩) . وقال ابن حجر: "تقرر عند أهل السنة قاطبة تقديم علي بعد عثمان وتقديم بقية العشرة المبشرة على غيرهم، وتقديم أهل بدر على من لم يشهدها وغير ذلك". (انظر فتح الباري ٧/٥٨) .