للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والناظر في ذلك يقول: بأن الأشعري سينهج نهج أبيه وأستاذه المحدث على الدوام، ولكن شاء الله أن يموت أبوه، وهو صغير السن وقت أن كان يتلقى دروسه الأولى١، ولم تحدد لنا المصادر تاريخ وفاته.

ولما مات أبوه تزوجت أمه٢ برجل من كبار رجال الاعتزال وهو أبو علي الجبائي٣، ومن ثم تأثر به الأشعري، ونحا نحو المعتزلة في الأمور الاعتقادية بل إنه برع فيها لدرجة أن شيخه وزوج أمه الجبائي كان ينيبه عنه في المجالس والدروس٤.

وبذلك اتجه الأشعري منذ حداثة سنه إلى الاعتزال للعلاقة التي نشأت بينه وبين الجبائي المعتزلي، ولم يستطع وقتئذٍ - وهو صغير السن - أن يسير على نهج أبيه، وظل كذلك حتى هداه الله إلى الحق، ورجع عن الاعتزال وفارق الجبائي، وسأذكر ذلك بتفصيل عند الكلام على أطواره وعقيدته - إن شاء الله -.

ولقد كان لهذا الاتجاه أثره البالغ في هضم الأشعري لآراء المعتزلة الكلامية وإحاطته بها، ومن ثم تمكن - بعد رجوعه عنها - من الرد عليها ونقدها نقد الخبير المتمكن العارف بأخبارها وأوزارها، كما كان لهذه النشأة أثر سيئ للغاية، وهو صرف الأشعري عن الحديث وعلومه، لو كان له فيه ما لغيره من الأئمة لكان له شأن آخر.


١ انظر: مقدمة تحقيق الإبانة للأشعري، للدكتورة فوقية حسين ص١٦.
٢ انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية ٢/٢٤٧، والخطط للمقريزي ٣/٣٠٨.
٣ هو أبو علي: محمد بن عبد الوهاب بن سلام المعروف بالجبائي (ت/ ٣٠٣هـ) كان إماماً في علم الكلام، وأخذ هذا العلم عن أبي يوسف يعقوب بن عبد الله الشحام البصري رئيس المعتزلة بالبصرة، وله في مذهب الاعتزال مقالات مشهورة، وعنه أخذ الأشعري علم الكلام. انظر: ترجمته في تاريخ بغداد ٦/٩٧، ومعجم البلدان ٢/١٢–٣١، ووفيات الأعيان ٤/٢٦٧، وشذرات الذهب ٢/٢٤١، والخطط للمقريزي ٣/٣٠٨.
٤ انظر: التبيين ص٩١.

<<  <   >  >>