الكبيرة، والذات الإلهية وما ينبغي لها من الصفات وسائر الأمور الغيبية، وكان أصحاب العقيدة الصحيحة في صراع مستمر مع هذه الفرق كلها، وقاموا بالرد عليهم، وألفوا الكتب الكثيرة لتوضيح وشرح عقيدة سلف هذه الأمة على ضوء القرآن والسنة، وبذلوا في سبيل ذلك جهوداً مضنية، ولم يسلموا من أذى الناس وتعذيب الحكام.
ومن الفرق التي برزت في هذا الوقت الجهمية المعطلة لأسماء الله وصفاته، ثم خرجت المعتزلة وأساتذة علم الفلسفة، وعلم الكلام واستبدوا بالرأي والهوى دون نصوص الوحي والهدى، وكانت لهم شوكة ومنعة، ووقف بجانبهم بعض خلفاء العباسيين، وتطاولت ألسنتهم وأيديهم على أئمة أهل السنة والحديث من السلف كالإمام أحمد - رحمه الله تعالى - ثم جاء أبو الحسن الأشعري ونشأ على مذهب المعتزلة في الربع الأخير من القرن الثالث الهجري، وتتلمذ على يد إمام المعتزلة في عصره وهو: أبو علي الجبائي زوج أمه، وبرع الأشعري في علم الكلام على مذهب الاعتزال إلى أن هداه الله عز وجل فخرج عليهم وأعلن براءته منهم، وسلك أولاً الطريقة الكلابية وهي طريقة عبد الله بن سعيد بن كلاب القطان الذي كان يثبت الصفات العقلية كالإرادة والقدرة والسمع والبصر، ويؤوِّل الصفات الخبرية كالوجه واليد والاستواء ثم ختم الله لأبي الحسن الأشعري بالخير فرجع إلى مذهب السلف وقال بقولهم، وانتسب إلى الإمام أحمد بن حنبل، وسيأتي بيان ذلك بتفصيل - إن شاء الله تعالى - في الفصل الثاني من الباب الأول من هذه الرسالة.
ويظهر أن رجوع الأشعري عن الاعتزال في هذا الوقت، ووقوفه ضدهم ناصراً ومؤيداً مذهب السلف الصالح في الوقت الذي شاع فيه مذهب الاعتزال أدى إلى رفع شأنه وعلو منزلته بين الناس، فسرعان ما انتشر أمره وكثر أتباعه في الآفاق، وأرسل إليه الناس من معظم الأقطار يسألونه عن دين الله الحق وعن معتقد السلف الصالح.
وظل الأشعري - بعد رجوعه إلى عقيدة السلف - يدافع عن دين الله الحق ويكتب ويؤلف في الرد على أهل الأهواء، والبدع المخالفين لمذهب السلف إلى أن توفاه الله تعالى، والأشعري كغيره من العلماء المشهورين له أتباع كثيرون، وهؤلاء الأتباع لم يرجعوا كما رجع إمامهم إلى عقيدة السلف في طوره الأخير، بل خالفوا إمامهم الأشعري في كثير من الأمور الاعتقادية، ولم يأخذوا بالمنهج الذي سلكه إمامهم في نهاية حياته بعد رجوعه إلى مذهب السلف، بل بقوا على طريقة عبد الله بن سعيد بن كلاب التي سلكها