للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر الثالث: أما قوله بأن الأشعري كان متحفظاً في القول بأن القرآن قديم غير مخلوق.

فأقول في الرد عليه ما يلي: يظهر لي جلياً بأن "آلار" لم يستوعب موضوعات الرسالة كلها قراءة، أو طاش بصره عن هذه النقطة بسبب ما قاله عنها وذلك أن الأشعري قرر في هذه الرسالة أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وكلامه فيها صريح وواضح، وقد سار في إثبات هذه القضية على مذهب من تقدم من سلف هذه الأمة كالإمام أحمد والبخاري رحمهم الله جميعاً، وتأمل قول الأشعري في الإجماع السادس: "وأجمعوا على أنّ أمره عز وجل وقوله غير محدث ولا مخلوق وقد دل الله تعالى على صحة ذلك بقوله: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} ففرق تعالى بين خلقه وأمره، وقال: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} "... إلى غير ذلك مما ذكره الأشعري في هذه الرسالة مستدلاً به على أن القرآن كلام الله غير مخلوق.

الأمر الرابع: ذكر "آلار" أن الأشعري كان معتزلياً وقت كتابة هذه الرسالة، ولم يقطع صلته بشيوخه من المعتزلة، وهذا مخالف تماماً لما جاء في هذه الرسالة التي تخالف مذهب الاعتزال وتبعد عنه كل البعد، ويكفي للتأكد من أن هذه الرسالة صدرت من الأشعري بعد رجوعه إلى مذهب السلف وتركه الاعتزال ما جاء فيها من رد على المعتزلة كما ذكرت سابقاً، ثم ذكره لإجماع السلف على أصول الدين وإثباته لحقيقة صفات الرب عز وجل كما جاء ذكرها في القرآن والسنة وإبطاله لشبه المعتزلة التي كانت تؤول الصفات بها، وكذلك قوله في مرتكب الكبيرة وإثباته للشفاعة وغير ذلك من الأمور السمعية التي ورد بها نص. الأمر الذي يجعلنا نقطع بأن هذه الرسالة لا تصدر إلا من رجل سلفي العقيدة بعيد عن غيرها.

وبما تقدم ذكره أقول: "إنه لا وجه إذاً للاعتراضات التي ذكرها "آلار" في نفي نسبة هذه الرسالة للأشعري، ولم يبق أمامنا إلا القطع بصحة نسبة الرسالة إليه، وهو ما مال إليه "آلار" ورجحه كما سبق كلامه في ذلك"١.


١ انظر: ص١٠٨ من هذه الرسالة.

<<  <   >  >>