إن القول بهذه الشبهة يدل على جهل بالقرآن المجيد، وعدم فهم لآياته، بل يدل على سوء قصد لدى القائلين بها. فإن الأمة مجمعة على أن القرآن العظيم قد اشتمل الدين مجملاً في كثير من جوانبه وأحكامه، ومفصلاً في جوانب أخرى، وقد جاءت السنة النبوية المطهرة فبينت المجمل وفصلته، والنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبين ويفصل إنما ينفذ أمر الله - تعالى - ويؤدي ما وكله الله - تعالى - إليه من بيان القرآن المنزل على الخلق، تطبيقاً واستجابة لأمر الله - عز وجل - في قوله:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(النحل:٤٤) .
فالقرآن المجيد قد اشتمل على قضايا الدين، وأصول الأحكام الشرعية، أما تفاصيل الشريعة وجزئياتها فقد فصل بعضها وأجمل جمهرتها، وإنما جاء المجمل في القرآن بناء على حكمة الله - عز وجل - التي اقتضت أن يتولى رسوله - صلى الله عليه وسلم - تفصيل ذلك المجمل وبيانه. وهذا هو ما قام عليه واقع الإسلام، وأجمعت عليه أمته، ومن ثم فلا وزن لمن يقول بغير ذلك أو يعارضه، لأن معارضته مغالطة واضحة وبهتان عظيم، وإذا كان أصحاب هذه الشبهة يزعمون أن القرآن المجيد قد فصل كل شيء، وبين كل صغيرة وكبيرة في الدين، فلنحتكم وإياهم إلى عماد الدين الصلاة، أين في القرآن الكريم عدد الصلوات، ووقت كل صلاة ابتداء وانتهاء، وعدد ركعات كل صلاة، والسجدات في كل ركعة، وهيئاتها، وأركانها، وما يقرأ فيها، وواجباتها، وسننها، ونواقضها، إلى غير ذلك من أحكام لا يمكن أن تقام الصلاة بدونها؟ ومثل ذلك يقال في أحكام العبادات كافة، إن القرآن العظيم قد ورد فيه الأمر بالصلاة والزكاة والصيام والحج، فأين نجد منه الأنواع التي