للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كله، وإنما أخذوا آية واحدة أو آيات وركزوا كلامهم فيها، وبنوا مذهبهم الفاسد عليها، وتركوا القرآن المجيد كله بما فيه من آيات واضحات تتصل بالموضوع اتصالاً مباشراً. ومن هنا فقد حملوا الآيات التي اختاروها ما لا تحتمل، ووجهوا معناها الوجهات الخطأ التي أرادوها هم، وليس التي تنطق بها الآيات، ومن البدهيات التي يعلمها عامة الناس - بله العلماء - أن القرآن يفسر بعضه بعضا، وأن آياته إنما يفهم بعضها في إطار البعض الآخر، وأن تفسير بعض الآيات بعيداً عن بقية الكتاب الكريم قد يكون خطأ يؤدي إلى محظورين خطيرين، الأول: عدم فهم المراد من الآيات فهماً صحيحاً. والثاني: أن يضرب القرآن بعضه ببعض، وأن تعارض بعض آياته بالبعض الآخر، وهذا جرم عظيم، لا يرتكبه إلا مجرم أثيم، وهؤلاء قد اعتمدوا آية أو بضع آيات من القرآن، ثم عزلوها عن بقية ما في القرآن المجيد من آيات بينات في نفس الموضوع، ثم حملوها من المعاني مالا تحتمل، عن سوء قصد وتعسف. ولعل تفنيد شبهتهم هذه يقتضينا - إلى جانب ما ذكرنا - توضيح معاني الآيات التي استدلوا بها، حتى تبطل شبهتهم هذه بتمامها. وتنهار من أساسها.

إن عمدتهم في الاستدلال على ما ذهبوا إليه هو قول الله - عز وجل: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام:٣٨) ، مدعين أن هذه الآية تعني أن الكتاب الكريم قد احتوى تفصيل كل صغيرة وكبيرة وبيانها، ومن ثم فلا حاجة إلى السنة التي تبينه وتفصله، وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن المراد بالكتاب في الآية الكريمة، إنما هو اللوح المحفوظ، وليس القرآن الكريم، وسياق الآية كاملة يرجح هذا، فالآية الكريمة كاملة: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ

<<  <   >  >>