للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كان ثمة اختيار بين أيهما يكتب الصحابة العارفون الكتابة، فليكن المكتوب هو القرآن، وذلك حتى يسلموه لمن بعدهم محرراً مضبوطاً تاماً لم يزد فيه ولم ينقص منه حرف.

وأما احتجاجهم بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كتابة غير القرآن، وغير القرآن هو السنة. فهو احتجاج باطل من وجوه. أولها: أن هذا الحديث الذي رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري، وهو قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه". هذا الحديث معلول "أعله أمير المؤمنين في الحديث أبو عبد الله البخاري وغيره بالوقف على أبي سعيد. ولو صرفنا نظراً عن هذا، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما نهى عن الكتابة، فقد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - الإذن بها، بل الأمر بها في أحاديث أخر، ولذلك قلنا إن استدلالهم فيه تدليس، حيث ذكروا حديث النهي، ولم يشيروا إلى أحاديث الإذن وهي كثيرة. منها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح فقال "إن الله حبس عن مكة القتل - أو الفيل الشك من البخاري - وسلط عليهم رسول الله والمؤمنون...." ولما انتهى من خطبته جاء رجل من أهل اليمن فقال: اكتب لي يا رسول الله فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لأبي شاة". (١) . ومنها: ما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: "ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني إلا عبد الله بن عمرو فقد كان يكتب ولا أكتب" (٢) . ومن


(١) أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم ١/٣٠٩.
(٢) رواه البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم ١/٣١٣ برقم ١١٣ ولفظ البخاري: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثاً عنه مني إلا كان من عبد الله بن عمر.

<<  <   >  >>