للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لقد أطاعك من يرضيك ظاهره ... وقد أجلك من يعصيك مستترا١

١٧ـ التهاجر والتدابر:

وما أكثر وقوع هذا الأمر بين المسلمين، فبمجرد اختلاف يسير، لا يترتب عليه فساد في الدين ـ تجد من يهجر أخاه، ويعطيه ظهره، ويقطع شواجر المحبة والرحمة والأخوة.

قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: "لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" ٢.

وإذا كان هذا الأمر مرفوضا وقوعه بين عامة الناس ـ فإن المصيبة تعظم، وإن الخطب ليجل إذا وقع ذلك بين أهل العلم والفضل والعبادة، فذلك هو الداء العياء، والطعنة النجلاء.

فمما يدمي الفؤاد، ويدل على استحكام الغفلة، وتمكن الشيطان أن تجد اثنين من أهل العبادة، وممن يتسابق للمجيء إلى المسجد، وقد يكونان ممن بلغ من الكبر عتيا، ومع ذلك كله تجدهما متهاجرين متقاطعين، لا يكلم أحدهما الآخر، ولا يسلم عليه بلا سبب يذكر، أو بسبب يسير جدا!.

ومثل ذلك ـ أو أشد ـ ما يقع بين بعض طلبة العلم من تدابر، وتقاطع، ونفرة بسبب حسد، أو اختلاف في رأي لا يوجب اختلاف القلوب؛ مما يسبب الفرقة وشيوع العداوة والبغضاء، وتألب بعضهم


١ ديوان الشافعي، ص ٩٩.
٢ رواه البخاري٧/٨٨، ومسلم ٢٥٥٩ عن أنس بن مالك.

<<  <   >  >>