للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من بعده أوس بن حجر الشاعر التميمي المشهور. وهنا يلمع في حياة زهير اسم خاله بشامة بن الغدير، فقد كفله هو وإخوته، وعرف منهم سلمى والخنساء١.

قال ابن الأعرابي: وكان بشامة بن الغدير خال زهير بن أبي سلمى، وكان زهير منقطعًا إليه وكان معجبًا بشعره. وكان بشامة رجلًا مقعدًا ولم يكن له ولد، وكان مكثرًا من المال، ومن أجل ذلك نزل إلى هذا البيت في غطفان لخئولتهم. وكان بشامة أحزم الناس رأيًا، وكانت غطفان إذا أرادوا أن يغزوا أتوه فاستشاروا وصدروا عن رأيه، فإذا رجعوا قسموا له مثل ما يقسمون لأفضلهم، فمن أجل ذلك كثر ماله. وكان أسعد غطفان في زمانه. فلما حضره الموت جعل يقسم ماله في أهل بيته وبين إخوته. فأتاه زهير فقال: يا خولاه لو قسمت لي من مالك!! فقال: والله يابن أختي لقد قسمت لك أفضل ذلك وأجزله. قال: وما هو؟ قال: شعري وَرَثتنيه٢. وقد كان زهير قبل ذلك قال الشعر، وقد كان أول ما قال. فقال له زهير: الشعر شيء ما قلته فكيف تعتد به عليّ؟ فقال بشامة: ومن أين جئت بهذا الشعر! لعلك ترى أنك جئت به من مزينة وقد علمت العرب أن حصاتها وعين مائها في الشعر لهذا الحي من غطفان ثم لي منهم، وقد رَوَيته عني، وأحذاه٣. نصيبًا من ماله ومات٤.

كان لزهير ابنٌ يقال له: سالم، وكان من أم كعب بن زهير، جميل الوجه حسن الشعر. فأهدى رجلٌ إلى زهير بردين٥، فلبسهما الفتى وركب فرسًا له، فمر بامرأة من العرب بماء يقال له النُّتاءة، فقالت: ما رأيت كاليوم قط رجلًا ولا بُرْدَين ولا فرسًا، فعثر به الفرس فاندقت عنقه وعنق الفرس وانشقَّ البردان، فقال زهير يرثيه:

رأت رجلًا لاقى من العيش غِبطَةً ... وأخطأه فيها الأمور العظائم


١ شوقي ضيف، العصر الجاهلي، ص٣٠٠.
٢ إنَّ الشعر، كما نظن، لا يورث، إنما كان في مدرسة زهير وخاله بشامة بن الغدير، يلقّن طبعًا مع الموهبة الشعرية الأصيلة، ومع كثرة الممارسة والمران يصبح الطالب شاعرًا.
٣ أحذاه: أعطاه.
٤ أبو الفرج الأصبهاني، الأغاني، ج١٠ ص٣١٩، ٣٢٠.
٥ البرد: كساء يلتحف به.

<<  <   >  >>