للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول: رعوا إبلهم الكلأ حتى إذا تم الظمء أوردوها مياهًا كثيرة، وهذا كله استعارة، والمعنى أنهم كفوا عن القتال وأقلعوا عن النزال مدة معلومة كما ترعى الإبل مدة معلومة، ثم عادوا الوقائع كما تورد الإبل بعد الرعي، فالحروب بمنزلة الغمار ولكنها تنشق عنهم باستعمال السلاح وسفك الدماء.

٤٠-

فَقَضّوْا مَنايا بَيْنَهُمْ ثُمّ أصدَروا ... إلى كلأ مُسْتَوْبِلٍ مُتَوَخِّمِ

قضَيت الشيء وقضّيته: أحكمته وأتممته. أصدرت: ضد أوردت. استوبلت الشيء: وجدته وبيلًا، واستوخمته وتوخمته: وجدته وخيمًا. والوبيل والوخيم: الذي لا يستمرأ١.

يقول: فأحكموا وتمموا منايا بينهم، أي: قتل كل واحد من الحيين صنفًا من الآخر، فكأنهم تمموا منايا قتلاهم ثم أصدروا إبلهم إلى كلأ وبيل وخيم، أي: ثم أقلعوا عن القتال والقراع واشتغلوا بالاستعداد له ثانيًا كما تصدر الإبل فترعى إلى أن تورد ثانيًا، وجعل اعتزامهم على الحرب ثانية والاستعداد لها بمنزلة كلأ وبيل وخيم، جعل استعدادهم للحرب أولًا وخوضهم غمراتها وإقلاعهم عنها زمانًا وخوضهم إياها ثانية بمنزل رعي الإبل أولًا وإيرادها وإصدارها ورعيها ثانيًا، وشبه تلك الحال بهذه الحال، ثم أضرب عن هذا الكلام وعاد إلى مدح الذين يعقلون القتلى ويَدُونها.

٤١-

لعَمرُك ما جَرّتْ عَلَيْهِمْ رِمَاحُهُم ... دَمَ ابنِ نَهيكِ أوْ قتلِ الْمُثَلَّمِ

يقول: أقسم ببقائك وحياتك أن رماحهم لم تجن عليهم دماء هؤلاء المسمّين، أي لم يسفكوها ولم يشاركوا قاتليهم في سفك دمائهم، والتأنيث في شاركت للرماح يبين براءة ذممهم عن سفك دمهم ليكون ذلك أبلغ في مدحهم بعقلهم القتلى.

٤٢-

وَلَا شَارَكت فِي الْمَوتِ فِي دَمِ نَوْفَلِ ... وَلَا وَهَبٍ منها وَلا ابنِ الْمخَزَّمِ

مضى شرح هذا البيت في أثناء شرح البيت الذي قبله.

٤٣-

فكُلًّا أرَاهُمْ أصْبَحُوا يَعْقِلُونَهُ ... صَحيحاتِ مالٍ طالِعاتٍ بِمَخْرِمِ


١ استمرأ الطعام: وجده مريئًا أي هنيًّا.

<<  <   >  >>