للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال بعض الجلساء: أنا، فقال: أنشدنيها فأنشد:

بلينا وما تبلى النجوم الطوالع ... وتبقى الجبال بعدنا والمصانع

وقد كنت في أكناف جار مضنة ... ففارقني جار بأربد نافع

فبكى المعتصم حتى جرت دموعه وترحم على المأمون وقال: هكذا كان رحمة الله عليه ينشدها لي، ثم اندفع ينشد هو باقيها ... وقال: فوالله لعجبنا من حسن ألفاظه، وصحة إنشاده، وفصاحته، وجودة اختياره١.

عندما سمع الفرزدق قول لبيد:

وخلا السيول عن الطلول كأنها ... زبر٢ تجد متونها٣ أقلامها

فسجد الفرزدق، فقيل له: ما هذا يا أبا فراس؟ فقال: أنتم تعرفون سجدة القرآن وأنا أعرف سجدة الشعر٤.

ولقد أتيح للقسم الأكبر من شعره، لما فيه من ذخيرة كبيرة من اللغة النجدية، أن يكون صالِحًا للاستشهاد في كتب اللغة، وهذا الأمر قد ساعد كثيرًا على ترديد بعض شعره. وكان البدو الكلابيون، ممن كان العلماء يأخذون برأيهم في اللغة والغريب، ذوي أثر في تقريب شعره إلى الأفهام.


١ أبو الفرج الأصبهاني، الأغاني، ج١٥، ص ٣٠٠، ٣٠١.
٢ الزُبُرُ: جمع زبور، وهو الكتاب "ابن منظور، لسان العرب ج٤، ص ٣١٥، مادة زبر".
٣ تجد متونها: أي تعيد عليها الكتابة بعدما درست.
٤ أبو الفرج الأصبهاني، الأغاني، ج١٥، ص٢٩٩.

<<  <   >  >>