للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذكر الجاحظ: لما علم واصل بن عطاء أنه ألثغ فاحش اللثغ، وأن مخرج ذلك منه شنيع وأنه إذا كان داعية مقالة، ورئيس نِحْلَة، وأنه يريد الاحتجاج على أرباب النِّحل، وزعماء الملل، وأنه لابد من مقارعة الأبطال، ومن الخطب الطوال، وأن البيان يحتاج إلى تمييز وسياسة وإلى ترتيب ورياضة، وإلى تمام الآلة وإحكام الصنعة، وإلى سهولة المخرج ومهارة المنطق، وتكميل الحروف، وإقامة الوزن، وأن حاجة المنطق إلى الطلاوة والحلاوة لحاجته إلى الجلالة والفخامة، وأن ذلك من أكبر ما تستمال به القلوب، وتنثني إليه الأعناق وتزين به المعاني.

ويوضح الجاحظ طريقة العلاج فيقول:

ومن أجل الحاجة إلى حسن البيان رام واصل إسقاط الراء من كلامه وإخراجها من حروف المنطوقة، فلم يزل يكابد ذلك ويغالبه، ويناضله ويساجله، ويتأتى لستره والراحة من هجنته، حتى انتظم له ما حاول، واتسق له ما آمل ١.

وكانت العرب ومازالت تعيب ما يعتري اللسان من ضروب الآفات، ولقد ذكر ابن الأعرابي أن أبا رمادة طلق امرأته حين وجدها لثغاء، وخاف أن تلد له ولدًا ألثغ، وقال في ذلك ٢.

لثغاء تأتي بحيفس ألثغ ... تميس في الموشي والمصبغ

ولذا كانت منة الله على خلقه أن جعل لهم لسانًا وشفتين، وجعلها مدار الفصاحة والبيان؛ ولذا كانت العناية بهما ومحاولة النطق السليم دليلا على الكمال وسبيلا إلى سلامة النطق.


١ البيان والتبيين: الجاحظ، ص: ٢٣، ٢٤.
٢ البيان والتبيين، ص: ٤٥.

<<  <   >  >>