لأن الشعر يخاطب العواطف مباشرة؛ وذلك لما عند الشاعر من قوة إلهام، وقد يشمل الكلام المنثور على نوع من الموسيقى نشعر بعه عند الإلقاء من توالي النغمات الصوتية المتجانسة تنتهي بها فقرات تعرف بالسجع، وخاصة عندما يلتزم فيها طول معين متتابع، ولكن هذا النوع من الموسيقى يكاد يكون محدودًا في النثر إذا قيس بما يوجد في الشعر، إذ إن موسيقى الشعر من أرق الصور الموسيقية للكلام، ونظامها لا يمكن الخروج عنه حتى يأتي في نظام من التراكيب منجسم الأجزاء.
بما أن الشعر هو الكلام الموزون المقفى المعبر عن الأخيلة البديعية الصور المؤثرة البليغة، وهو أيضًا يخاطب الوجدان، لذلك فإنه يحتاج إلى إلقاء خاص يميزه عن غيره من الإلقاءات.
وإلقاء الشعر بطبيعته يحتاج إلى ملقٍ متمرس، ولابد له من أن يفهم معنى القصيدة كاملا ويحيط برويها وبحرها وكلماتهاومفرداتها ومعانيها، بمعنى أنه يجب على من يلقي الشعر أن يكون ملمًّا بفهم القصيدة والمناسبة التي ألقيت فيها، فالشعر تختلف معانيه، فإلقاء القصيدة في الرثاء على خلاف إلقاء قصيدة في الحكمة والنظر إلى هاتين القصيدتين كدليلين على ذلك، يقول البارودي في رثاء زوجته:
يا دَهْرُ فِيمَ فَجَعْتَنِي بِحَلِيلَةٍ ... كَانَتْ خُلاصَةَ عُدَّتِي وَعَتَادِي