تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم استخدم الكتابة وحث على استعمالها، وقد ورد عنه أيضاً أحاديث فيها نهي صريح عن كتابة السنة، واستغلها المناوئون للسنة ليستدلوا بها على أن السنة لم تدون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأن الصحابة امتثلوا لهذا النهي فلم يكتبوا، وأن كثيراً من السنة لم تُدون، وهذا الأمر وإن كان عماده أوهى من بيت العنكبوت إلا أنهم طاروا به وزوقوه وجعلوه مطية لهم للطعن في السنة من وجه خفي، وهم يظنون أن عدم تدوينه - على زعمهم- أضاع كثيراً من الأحاديث، وأن ما حفظ لا يسلم من التبديل والتغيير؛ لأن الحافظة خوانة، والذاكرة عرضة للنسيان، وجهلوا أو تجاهلوا ما لهذه الأمة الأميّة من خصائص لم تكن لمن سبق وأغمضوا أعينهم عن الوقائع المتكاثرة التي حصل فيها تدوين للسنة النبوية، وأغمضوا أعينهم كذلك من أن كراهة بعض الصحابة لكتابة الحديث ليس من أجل ما ذكر من نهي المصطفى صلى الله عليه وسلم وإنما لأمور ذكروا عللها؛ ولذا كان لابد من تأصيل هذه المسألة وبيان أثرها، ولقد كان هذا الموضوع يراودني، وجمعت فيه نبذاً حتى هيأ الله لي هذه الفرصة الطيبة من خلال هذه الندوة المباركة - إن شاء الله تعالى- ندوة عناية المملكة العربية السعودية ـ وفقها الله ـ بالسنّة والسيرة النبوية، وكان أحد موضوعات محاورها "كتابة حديث النبي صلى الله عليه وسلم بين النهي والإذن" فوافق مرادي وتقوًّتْ بها النية على استكمال هذا الموضوع، وقد وفق الله تعالى أن كتبت هذا البحث وفق الخطة التالية: