للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأنها من مصادر التشريع الإسلامي، وقد حركت هذه العوامل قلوب المسلمين للالتفاف حول رسولهم صلى الله عليه وسلم، لينهلوا من معين سنته المطهرة التي وجدوا فيها مادة خصبة لدنياهم وأخراهم، تكفل لهم سعادة الدارين؛ لأنَّ أحكامها الكريمة وآدابها الفاضلة تتعلق بالعقيدة وبالشريعة والأخلاق وتتعلق بجميع آدابهم وأحوالهم.

ونهج النبي صلى الله عليه وسلم معهم منهج القرآن، يتدرج في انتزاع الشر والباطل، ويعمل على غرس الخير والحق، ويفتيهم في مسائلهم في كل مكان حسبما اتفق في الحل والترحال، وكان "المسجد" هو المكان المتعارف الذي تعاهدوا على حضور المجالس العلمية فيه، تلك المجالس التي يعقدها لهم رسولهم صلى الله عليه وسلم تشرق بنور الله، وتنبثق منها الروحانية الصافية، فيتعلمون ويتفقهون ويعبدون فيها ربهم ويسبحون بالغدو والآصال. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتبع معهم أسمى الطرق في التعليم: ويتوخى مخاطبتهم بلغاتهم ولهجاتهم وعلى قدر عقولهم، متواضعاً حليماً، ولم يحرم النساء من حقوقهن في العلم وإنما خصص لهن وقتاً يتلقين فيه العلم.

وقد بلغ من حرصه صلى الله عليه وسلم على تعليم المسلمين أنه كان يكرر القول ثلاثاً، حتى يفهم عنه. وربما طرح المسألة على أصحابه (١) ؛ ليختبر أفهامهم، ويجذب انتباههم، ويتحرَّى أن يكون التدريس والموعظة في الوقت الملائم والظروف المناسبة التي يتسنَّى لهم الحضور فيها، وتكون


(١) فتح الباري ج١ ص١٣٦.

<<  <   >  >>