ومن أبشع خطئه الواضح وسوء قصده الفاضح ما ذكره بقوله: فهذه كلها أحاط الأئمة الأربعة وأصحابهم بأطرافها وما تركوا فيها زيادة لمستزيد حال كون أئمة الحديث ما تعرضوا لشيء منها البتة بل سردوا الأحاديث سرداً في أبوابها على علاتها فإذا وجدتم حديثاً في البخاري أو غيره في مسألة مثله في موطأ مالك مثلاً أحدهما فيه تشديداً والثاني فيه ترخيص لكم في معرفة الناسخ فترجحوه على المنسوخ وهكذا في سائر الأقسام التي تتوقف صحة الحكم على معرفتها وأنتم لا تجدون في كتب الحديث بياناً ولا إشارة تهديكم إلى الصواب، إلى آخره، وهذه فيه من الجرأة والظلم والكذب ما يفيده شدة غباوة هذا المعترض وعداوته لأئمة الحديث وتنقصه لهم واهتضامه لمقامهم الأسنى ومنصبهم الأعلى الذي يتقاصر عنه المتطاول ويخسر دونه في مهامه الغي كل غوي وجاهل ولعمري إن أئمة الحديث قد أحاطوا بها علماً وفصلوا أحكامها حكماً فحكماً وبيان ذلك بما ذكره شمس الدين ابن القيم –رحمه الله- فقال في كتابه "الوابل الصب في الكلم الطيب" وفي الصحيح من حديث أبي موسى عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال:"مثل ما بعثني الله تعالى به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكان منهاطائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها طائفة أجادب أمسكت الماء فسقى الناس وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله تعالى ونفعه بما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدي الله الذي أرسلت به"، فجعل النبي –صلى الله عليه وسلم- الناس بالنسبة إلى الهدى والعلم ثلاث طبقات الطبقة الأولى ورثة الرسل والأنبياء