المسلم فسوق وقتاله كفر" وجعل أحدهما فسوقاً لا يكفر به والآخر كفراً ومعلوم أنه إنما أراد الكفر العملي لا الاعتقادي، وهذا الكفر لا يخرجه من الدائرة الإسلامية والملة بالكلية كما لم يخرج الزاني والسارق والشارب من الملة وإن زال عنه اسم الإيمان، وهذا التفصيل هو قول الصحابة الذين هم أعلم الأمة بكتاب الله وبالإسلام والكفر ولوازمها فلا تتلقى هذه المسألة إلا عنهم، والمتأخرون لم يفهموا مرادهم فانقسموا فريقين فريقاً أخرجوا عن الملة بالكبائر وقضوا على أصحابها بالخلود في النار، وفريقاً جعلوه مؤمنين كاملي الإيمان فأولئك غلوا وهؤلاء جفوا وهدى الله أهل السنة للطريقة المثلى، والقول الوسط، الذي هو في المذاهب كالإسلام في الملل، للطريقة المثلى، فها هنا كفر دون كفر ونفاق دون نفاق، وشرك دون شرك، وظلم دون ظلم فعن ابن عباس في قوله:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} قال: ليس هذا هو الكفر الذي تذهبون إليه رواه عنه سفيان وعبد الرزاق، وفي رواية أخرى: كفر لا ينقل عن الملة، وعن عطاء: كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، وهذا بين في القرآن لمن تأمله، فإن الله سبحانه سمى الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً، وسمى الجاحد لما أنزل الله على رسوله كافراً وسمى الكافر ظالماً في قوله {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} وسمى من يتعدى حدوده في النكاح والطلاق والرجعة والخلع ظالماً وقال: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} وقال يونس –عليه السلام- {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} ، وقال آدم {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} وقال موسى {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} وليس هذا الظلم مثل ذلك الظلم، وسمى الكافر فاسقاً في قوله {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} ، وقال {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ}