أبلغ بالمودة فإن كل فعل ذلك قد ضل سواء السبيل" لكن قوله: "صدقكم خلوا سبيله" ظاهر في أنه لا يكفر بذلك، إذ كان مؤمناً بالله ورسوله، غير شاك ولا مرتاب، وإنما فعل ذلك لغرض دنيوي، ولو كفر لما قيل: خلو سبيله لا يقال قوله –صلى الله عليه وسلم- لعمر: "وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" هو المانع من تكفيره لأنا نقول لو كفر لما بقي من حسناته ما يمنعه من إلحاق الكفر وأحكامه فإن الكفر يهدم ما قبله لقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} ، وقوله تعالى:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} والكفر محبط للحسنات والإيمان بالإجماع، فلا يظن هذا ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا –إلى قوله- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} فجعلهم إخوة مع وجود الاقتتال والبغي، وأمر بالإصلاح بينهم وكان مسطح بن أثاثة من المهاجرين والمجاهدين مع رسول –صلى الله عليه وسلم-، وكان ممن سعى بالإفك فأقام رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الحد عليه وجلده، وكان أبو بكر –رضي الله عليه وسلم- ينفق عليه لقرابته وفقره، فآلى أبو بكر أن لا ينفق عليه بعدما قال لعائشة ما قال فأنزل الله {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} فقال أبو بكر: بلى والله، إني أحب أن يغفر الله لي فأعاد عليه نفقته، وأمثال هذا كثير لو تتبعناه لطال الكلام، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والمؤمن عليه أن يعادي في الله ويوالي في الله فإذا كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه وإن ظلمه فإن الظلم لايقطع الموالاة الإيمانية، قال الله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا – إلى قوله- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} .