للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكل الأسباب إنما تكون بمشيئته فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو سبحانه إذا أجرى نفع العباد بعضهم على يد بعض، فجعل هذا يحسن إلى هذا ويدعو له ويشفع له فهو الذي خلق ذلك كله، وهو الذي خلق في قلب هذا المحسن والداعي إلى إرادة الإحسان والدعاء، ولا يجوز أن يكون في الوجود من يكرهه على خلاف مراده أو يعلمه ما لم يكن يعلمه، والشفعاء الذين يشفعون عنده لا يشفعون عنده إلا بإذنه كما تقدم بيانه بخلاف الملوك، فإن الشافع عندهم يكون شريكا لهم في الملك، وقد يكون مظاهرا لهم معاونا لهم على ملكهم، وهم يشفعون عند الملوك بغير إذن الملوك والملك يقبل شفاعتهم تارة لحاجته إليهم وتارة لجزاء إحسانهم ومكافأتهم حتى انه يقبل شفاعة ولده وزوجته، لذالك فإنه محتاج إلى الزوجة والولد حتى لو أعرض عنه ولده وزوجته لتضرر بذلك، ويقبل شفاعة مملوكه فإنه إذا لم يقبل شفاعته يخاف أن لا يطيعه، ويقبل شفاعة أخيه مخافة أن يسعى في ضرره، وشفاعة العباد بعضهم عند بعض كلها من هذا الجنس، فلا أحد يقبل شفاعة أحد إلا لرغبة أو لرهبة والله تعالى لا يرجو أحدا ولا يخافه ولا يحتاج إلا أحد، بل هو الغني سبحانه عما سواه وكل ما سواه فقير إليه والمشركون يتخذون شفعاء مما يعبدونه من الشفاعة عند المخلوق. قال تعالى {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعَهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤلَاءِ شُفَعَاؤنَا عِنْدَ اللهِ} إلى قوله سبحانه وتعالى {عَمَّا يُشْرِكُونَ} وقال تعالى {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً , أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} فأخبر سبحانه انما يدعى من دونه لا يملك كشف الضر ولا تحويله، وأنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه ويتقربون

<<  <   >  >>