فوافق حج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي الحجة فقال:"هذا يوم استدار الزمان كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض" ومن هؤلاء من قال: كانت الجاهلية يجعلون الشهور اثني عشر شهرا وخمسة أيام قاله إياس بن معاوية وهذا العدد قريب من عدد السنة الرومية ولهذا جاء في مراسيل عكرمة بن خالد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر: " والشهر هكذا وهكذا وهكذا وخنس إبهامه في الثالثة: وهكذا وهكذا وهكذا" يعني ثلاثين فأشار إلى أن الشهر هلالي ثم تارة ينقص وتارة يتم ولعل أهل النسيء كانوا يتمون الشهور كلها ويزيدون عليها والله أعلم.
وقد قيل: إن ربيعة ومضر كانوا يحرمون أربعة أشهر من السنة مع اختلافهم في تعيين رجب منها كما سنذكره إن شاء الله تعالى وكانت بنو عوف بن لؤي يحرمون من السنة ثمانية أشهر وهذا مبالغة في الزيادة على ما حرم الله.
واختلفوا في أي عام عاد الحج إلى ذي الحجة على وجهه واستدار الزمان فيه كهيئته: فقالت طائفة: إنما عاد على وجهه في حجة الوداع وأما حجة أبي بكر الصديق فكانت قد وقعت في ذي القعدة هذا قول مجاهد وعكرمة بن خالد وغيرهما وقد قيل: أنه اجتمع في ذلك العام حج الأمم كلها في وقت واحد فلذلك سمي يوم الحج الأكبر وقالت طائفة: بل وقعت حجة الصديق في ذي الحجة قاله الإمام أحمد وأنكر قول مجاهد واستدل: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا فنادى يوم النحر لا يحج بعد العام مشرك وفي رواية "واليوم يوم الحج الأكبر" وقد قال الله تعالى {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}[التوبة: ٣] فسماه يوم الحج الأكبر وهذا يدل على أن النداء وقع في ذي الحجة وخرج الطبراني في أوسطه من حديث عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان العرب يحلون عاما شهرا وعاما شهرين ولا يصيبون الحج إلا في كل ستة وعشرين سنة مرة واحدة: وهو النسيء الذي ذكره الله في كتابه فلما كان عام حج أبي بكر الصديق بالناس وافق في ذلك العام الحج فسماه الله يوم الحج الأكبر ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم في العام المقبل فاستقبل الناس الأهلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض" وقيل بل استدارة الزمان كهيئته كان من عام الفتح.
وخرج البزار في مسنده من حديث سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم يوم الفتح: "إن هذا العام الحج الأكبر قد اجتمع حج المسلمين وحج المشركين في ثلاثة أيام متتابعات واجتمع حج اليهود والنصارى في ستة أيام