المجلس الثالث في ذكر العشر الأوسط من شهر رمضان وذكر نصف الشهر الأخير.
في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأوسط من رمضان فاعتكف عاما حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وهي التي يخرج في صبيحتها من اعتكافه قال: "من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر وقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر" فمطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف المسجد فبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين.
هذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأوسط من شهر رمضان لابتغاء ليلة القدر فيه وهذا السياق يقتضي أن ذلك تكرر منه وفي رواية في الصحيحين في هذا الحديث: أنه اعتكف العشر الأول ثم اعتكف العشر الأوسط ثم قال: "إني أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف" فاعتكف الناس معه وهذا يدل على أن ذلك كان منه قبل أن يتبين له أنها في العشر الأواخر ثم لما تبين له ذلك اعتكف العشر الأواخر حتى قبضه الله عز وجل كما رواه عنه عائشة وأبو هريرة وغيرهما.
وروي أن عمر جمع جماعة من الصحابة فسألهم عن ليلة القدر فقال بعضهم: كنا نراها في العشر الأوسط ثم بلغنا أنها في العشر الأواخر وسيأتي الحديث بتمامه في موضع آخر إن شاء الله وخرج ابن أبي عاصم في كتاب الصيام وغيره من حديث خالد بن محدوج عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التمسوها في أول ليلة أو في تسع أو في أربع عشرة" وخالد هذا فيه ضعف وهذا يدل على: أنها تطلب في ليلتين من العشر الأول وفي ليلة من العشر الأوسط وهي أربع عشرة وقد سبق من حديث واثلة بن الأسقع مرفوعا: "أن الإنجيل أنزل لثلاث عشرة من رمضان" وقد ورد الأمر بطلب ليلة القدر في النصف الأواخر من رمضان وفي أفراد ما بقي من العشر الأوسط من هذا النصف وهما ليلتان ليلة سبع عشرة وليلة تسع عشرة.