أي الذنب أعظم؟ قال "أن تجعل لله ندا وهو خلقك" قال: ثم أي؟ قال:"أن تقتل ولدك خسية أن يطعم معك" قال: ثم أي؟ قال:"أن تزاني حليلة جارك" فأنزل الله تعالى ذلك: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ}[الفرقان: ٦٨] الآية ومن الذنوب المانعة من المغفرة أيضا الشحناء وهي حقد المسلم على أخيه بغضا له لهوى نفسه وذلك يمنع أيضا من المغفرة في أكثر أوقات المغفرة والرحمة كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: "تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين والخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا" وقد فسر الأوزاعي هذه الشحناء المانعة بالذي في قلبه شحناء لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا ريب أن هذه الشحناء أعظم جرما من مشاحنة الأقران بعضهم بعضا وعن الأوزاعي أنه قال المشاحن كل صاحب بدعة فارق عليها الأمة وكذا قال ابن ثوبان: المشاحن هو التارك لسنة النبي صلى الله عليه وسلم الطاعن على أمته السافك دماءهم وهذا الشحناء أعني شحناء البدعة توجب الطعن على جماعة المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم وأعراضهم كبدع الخوارج والروافض ونحوهم.
فأفضل الأعمال سلامة الصدر من أنواع الشحناء كلها وأفضلها السلامة من شحناء أهل الأهواء والبدع التي تقتضي الطعن على سلف الأمة وبغضهم والحقد عليهم واعتقاد تكفيرهم أو تبديعهم وتضليلهم ثم يلي ذلك سلامة القلب من الشحناء لعموم المسلمين وإرادة الخير لهم ونصيحتهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه وقد وصف الله تعالى المؤمنين عموما بأنهم يقولون:{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}[الحشر: ١٠] .
وفي المسند عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه:"ثلاثة أيام يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" فيطلع رجل واحد فاستضافه عبد الله بن عمرو فنام عنده ثلاثا لينظر عمله فلم ير له في بيته كبير عمل فأخبره بالحال فقال له هو ما ترى إلا أني أبيت وليس في قلبي شيء على أحد من المسلمين فقال عبد الله: "بهذا بلغ ما بلغ" وفي سنن ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو قال: قيل: يا رسول الله أي الناس أفضل؟ قال:"كل مخموم القلب صدوق اللسان" قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال:"هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد" قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس.