مشروط بالتحفظ مما نبغي التحفظ منه كما ورد ذلك في حديث خرجه ابن حبان في صحيحه وعامة صيام الناس لا يجتمع في صومه التحفظ كما ينبغي ولهذا نهى أن يقول الرجل: صمت رمضان كله أو قمته كله فالصدقة تجبر ما فيه من النقص والخلل ولهذا وجب في آخر شهر رمضان زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث والصيام والصدقة لهما مدخل في كفارات الإيمان ومحظورات الإحرام وكفارة الوطء في رمضان ولهذا كان الله تعالى قد خير المسلمين في ابتداء الأمر بين الصيام وإطعام المسكين ثم نسخ ذلك وبقي الإطعام لمن يعجز عن الصيام لكبره ومن أخر قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر فإنه يقضيه ويضم إليه إطعام مسكين لكل يوم تقوية له عند أكثر العلماء كما أفتى به الصحابة وكذلك من أفطر لأجل غيره كالحامل والمرضع على قول طائفة من العلماء.
ومنها: أن الصائم يدع طعامه وشرابه لله فإذا أعان الصائمين على التقوي على طعامهم وشرابهم كان بمنزلة من ترك شهوة لله وآثر بها أو واسى منها ولهذا يشرع له تفطير الصوام معه إذا أفطر لأن الطعام يكون محبوبا له حينئذ فيواسي منه حتى يكون من أطعم الطعام على حبه ويكون في ذلك شكر لله على نعمة إباحة الطعام والشراب له ورده عليه بعد منعه إياه فإن هذه النعمة إنما عرف قدرها عند المنع منها وسئل بعض السلف: لم شرع الصيام؟ قال: ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الجائع وهذا من بعض حكم الصوم وفوائده وقد ذكرنا فيما تقدم حديث سلمان وفيه: "وهو شهر المواساة" فمن لم يقدر فيه على درجة الإيثار على نفسه فلا يعجز عن درجة أهل المواساة كان كثير من السلف يواسون من إفطارهم أو يؤثرون به ويطوون كان ابن عمر يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين فإذا منعه أهله عنهم لم يتعش تلك الليلة وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه السائل فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجفنة فيصبح صائما ولم يأكل شيئا.
واشتهى بعض الصالحين من السلف طعاما وكان صائما فوضع بين يديه عند فطوره فسمع سائلا يقول: من يقرض الملي الوفي الغني؟ فقال عبده المعدم من الحسنات فقام فأخذ الصحفة فخرج بها إليه وبات طاويا وجاء سائل إلى الإمام أحمد فدفع إليه رغيفين كان يعدهما لفطره ثم طوى وأصبح صائما وكان الحسن يطعم إخوانه وهو صائم تطوعا ويجلس يروحهم وهم يأكلون وكان ابن المبارك يطعم إخوانه في السفر الألوان من الحلواء وغيرها وهو صائم سلام الله.