فيشفعان" فالصيام يشفع لمن منعه الطعام والشهوات المحرمة كلها سواء كان تحريمها يختص بالصيام كشهوة الطعام والشراب والنكاح ومقدماتها أو لا يختص كشهوة فضول الكلام المحرم والنظر المحرم والسماع المحرم والكسب المحرم فإذا منعه الصيام من هذه المحرمات كلها فإنه يشفع له عند الله يوم القيامة ويقول: يا رب منعته شهواته فشفعني فيه فهذا لمن حفظ صيامه ومنعه من شهواته.
فأما من ضيع صيامه ولم يمنعه مما حرمه الله عليه فإنه جدير أن يضرب به وجه صاحبه ويقول له: ضيعك الله كما ضيعتني كما ورد مثل ذلك في الصلاة قال بعض السلف: إذا احتضر المؤمن يقال للملك: شم رأسه قال: أجد في رأسه القرآن فيقال شم قلبه فيقول: أجد في قلبه الصيام فيقال: شم قدميه فيقول: أجد في قدميه القيام فيقال: حفظ نفسه حفظه الله عز وجل.
وكذلك القرآن إنما يشفع لمن منعه من النوم بالليل فأما من قرأ القرآن وقام به فقد قام بحقه فيشفع له وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا فقال: "ذاك لا يتوسد القرآن" ـ يعني لا ينام عليه فيصير له كالوسادة ـ وخرج الإمام أحمد من حديث بريدة مرفوعا: "أن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حتى ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب فيقول: هل تعرفني أنا صاحبك الذي أظمأتك في الهواجر وأسهرت ليلك وكل تاجر من وراء تجارته فيعطي الملك بيمينه والخلد بشماله ويوضع على رأسه تاج الوقار ثم يقال له: اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها فهو في صعود ما دام يقرأ حدرا كان أو ترتيلا" وفي حديث عبادة بن الصامت الطويل: "إن القرآن يأتي صاحبه في القبر فيقول له: أنا الذي كنت أسهر ليلك وأظمىء نهارك وأمنعك شهوتك وسمعك وبصرك فستجدني من الأخلاء خليل صدق ثم يصعد فيسأل له فراشا ودثارا فيؤمر له بفراش من الجنة وقنديل من الجنة وياسمين من الجنة ثم يدفع القرآن في قبلة القبر فيوسع عليه ما شاء الله من ذلك".
قال ابن مسعود: ينبغي لقارىء القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون ونهاره إذا الناس يفطرون وببكائه إذا الناس يضحكون وبورعه إذا الناس يخلطون وبصمته إذا الناس يخوضون وبخشوعه إذا الناس يختالون وبحزنه إذا الناس يفرحون.
قال محمد بن كعب: كنا نعرف قارىء القرآن بصفرة لونه يشير إلى سهره وطول تهجده.