وقال العرباض بن سارية: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون وقال ابن مسعود: نعم المجالس المجلس الذي تنشر فيه الحكمة وترجى فيه الرحمة هي مجالس الذكر وشكا رجل إلى الحسن قساوة قلبه فقال: أدنه من الذكر وقال: مجلس الذكر محياة العلم ويحدث في القلب الخشوع القلوب الميتة تحيا بالذكر كما تحيا الأرض الميتة بالقطر:
"بذكر الله ترتاح القلوب ... ودنيانا بذكراه تطيب".
وأما الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة فبما يحصل في مجالس الذكر من ذكر عيوب الدنيا وذمها والتزهيد فيها وذكر فضل الجنة ومدحها والترغيب فيها وذكر النار وأهوالها والترهيب منها.
وفي مجالس الذكر تنزل الرحمة وتغشى السكينة وتحف الملائكة ويذكر الله أهلها فيمن عنده وهم قوم لا يشقى بهم جليسهم فربما رحم معهم من جلس إليهم وإن كان مذنبا وربما بكى فيهم باك من خشية الله فوهب أهل المجلس كلهم له وهي رياض الجنة قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا" قالوا: وما رياض الجنة؟ قال:"مجالس الذكر".
فإذا انقضى مجلس الذكر فأهله بعد ذلك على أقسام:
فمنهم من يرجع إلى هواه فلا يتعلق بشيء مما سمعه في مجلس الذكر ولا يزداد هدى ولا يرتدع عن ردىء وهؤلاء أشر الأقسام ويكون ما سمعوه حجة عليهم فتزداد به عقوبتهم وهؤلاء الظالمين لأنفسهم:{أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}[النحل:١٠٨] .
ومنهم من ينتفع بما سمعه وهم على أقسام: فمنهم من يرده ما سمعه عن