الإيمان بالله وما يدخل في مسماه من معرفة الله وتوحيده وخشيته ومحبته ورجائه وإجابته والإنابة إليه والتوكل عليه قال الحسن: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكنه بما وقر في الصدور وصدقته الأعمال ويشهد لذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً}[الأنفال: ٢, ٤] وفي هذا يقول بعضهم:
ما كل من زوق لي قوله ... يغرني يا صاح تزويقه
من حقق الإيمان في قلبه ... لا بد أن يظهر تحقيقه
فإذا ذاق العبد حلاوة الإيمان ووجد طعمه وحلاوته ظهر ثمرة ذلك على لسانه وجوارحه فاستحلى اللسان ذكر الله وما والاه وسرعت الجوارح إلى طاعة الله فحينئذ يدخل حب الإيمان في القلب كما يدخل حب الماء البارد الشديد برده في اليوم الشديد حره للظمآن الشديد عطشه ويصير الخروج من الإيمان أكره إلى القلوب من الإلقاء في النار وأمر عليها من الصبر ذكر ابن المبارك عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه دخل المدينة فقال لهم: ما لي لا أرى عليكم يا أهل المدينة حلاوة الإيمان والذي نفسي بيده لو أن دب الغابة وجد طعم الإيمان لرؤي عليه حلاوة الإيمان.
لو ذاق طعم الإيمان رضوى ... لكاد من جوده يميد
قد حملوني تكليف عهد ... يعجز عن حمله الحديد
فالإيمان بالله ورسوله وظيفة القلب واللسان ثم يتبعهما عمل الجوارح وأفضلها الجهاد في سبيل الله وهو نوعان: أفضلهما: جهاد المؤمن بعدوه الكافر وقتاله في سبيل الله: فإن فيه دعوة له إلى الإيمان بالله ورسوله ليدخل في الإيمان قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران: ١١٠] قال أبو هريرة رضي الله عنه في هذه الآية: يجيئون بهم في السلاسل حتى يدخلونهم الجنة وفي الحديث المرفوع: "عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل" فالجهاد في سبيل الله دعاء الخلق إلى الإيمان بالله ورسوله بالسيف واللسان بعد دعائهم إليه بالحجة والبرهان وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر لا يقاتل قوما حتى يدعوهم فالجهاد به تعلو كلمة الإيمان وتتسع