عليه ومن هنا استحب للحاج أن يكون شعثا أغبر وفي حديث المباهاة يوم عرفة أن الله تعالى يقول لملائكته: "انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا ضاحين اشهدوا أني قد غفرت لهم" قال عمر يوما وهو بطريق مكة: تشعثون وتغبرون وتتفلون وتضحون لا تريدون بذلك شيئا من عرض الدنيا ما نعلم سفرا خيرا من هذا يعني الحج وعنه قال: إنما الحاج الشعث التفل وقال ابن عمر لرجل رآه: قد استظل في إحرامه أضح لمن أحرمت له أي أبرز للضحى وهو حر الشمس.
أتاك الوافدون إليك شعثا ... يسوقون المقلدة الصواف
فكم من قاصد للرب رغبا ... ورهبا بين منتعل وحاف
سبحان من جعل بيته الحرام مثابة للناس وأمنا يترددون إليه ويرجعون عنه ولا يرون أنهم قضوا منه وطرا لما أضاف الله تعالى ذلك البيت إلى نفسه ونسبه إليه بقوله عز وجل لخليله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج: ٢٦] تعلقت قلوب المحبين ببيت محبوبهم فكلما ذكر لهم ذلك البيت الحرام حنوا وكلما تذكروا بعدهم عنه أنوا.
لا يذكر الرمل الأحن مغترب ... له بذي الرمل أوطار وأوطان
تهفو إلى البان من قلبي نوازعه ... وما بي البان بل من داره البان
رأى بعض الصالحين الحاج في وقت خروجهم فوقف يبكي ويقول: واضعفاه وينشد على أثر ذلك:
فقلت دعوني واتباعي ركابكم ... أكن طوع أيديكم كما يفعل العبد
ثم تنفس وقال: هذه حسرة من انقطع عن الوصول إلى البيت فكيف تكون حسرة من انقطع عن الوصول إلى رب البيت يحق لمن رأى الواصلين وهو منقطع أن يقلق ولمن شاهد السائرين إلى ديار الأحبة وهو قاعد أن يحزن".
يا سائق العيس ترفق واستمع ... مني وبلغ السلام عني
عرض بذكري عندهم لعلهم ... إن سمعوك سألوك عني
قل ذلك المحبوس عن قصدكم ... معذب القلب بكل فني
يقول أملت بأن أزوركم ... في جملة الوفد فخاب ظني
أقعدني الحرمان عن قصدكم ... ورمت أن أسعى فلم يدعني
ينبغي للمنقطعين طلب الدعاء من الواصلين لتحصل المشاركة كما روي عن.