٨٣] فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم تأسف أصحابه الفقراء وحزنهم على ما فاتهم من إنفاق إخوانهم الأغنياء أموالهم في سبيل الله تقربا إليه وابتغاء لمرضاته طيب قلوبهم ودلهم على عمل يسير يدركون به من سبقهم ولا يلحقهم معه أحد بعدهم ويكونون به خيرا ممن هم معه إلا من عمل مثل عملهم: وهو الذكر عقب الصلوات المفروضات.
وقد اختلفت الروايات بأنواعه وعدده والأخذ بكل ما ورد من ذلك حسن وله فضل عظيم وفي حديث أبي هريرة هذا: أنهم يسبحون ويحمدون ويكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين وقد فسره أبو صالح راوية عنه بالجمع وهو أن يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة فيكون جملة ذلك تسعا وتسعين.
وقد يستشكل على هذا حديث: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: عما يعدل الجهاد؟ فقال:"هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم فلا تفطر وتقوم ولا تفتر" وهو حديث ثابت صحيح أيضا فلم يجعل للجهاد عدلا سوى الصيام الدائم والقيام الدائم وفي هذا الحديث قد جعل الذكر عقب الصلوات عدلا له؟ والجمع بين ذلك كله: أن النبي لم يجعل للجهاد في زمانه عملا يعدله بحيث إذا انقضى الجهاد انقضى ذلك العمل واستوى العامل مع المجاهد في الأجر وإنما جعل الذي يعدل الجهاد الذكر الكثير المستدام في بقية عمر المؤمن من غير قطع له حتى يأتي صاحبه أجله فإذا استمر على هذا الذكر في أوقاته إلى أن مات عليه عدل ذكره هذا الجهاد وقد دل على ذلك أيضا ما خرجه الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ " قالوا بلى يا رسول الله قال: "ذكر الله عز وجل" وخرجه مالك في الموطأ موقوفا.
وخرج الإمام أحمد والترمذي أيضا من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي العبادة أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال:{وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً}[الأحزاب: ٣٥] قلت يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله؟ قال:"لو ضرب بسيفه الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختصب دما لكان الذاكرون الله عز وجل أفضل منه درجة" وقد روي هذا المعنى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وطائفة من الصحابة موقوفا وأن الذكر لله أفضل من الصدقة بعدة دراهم ودنانير ومن النفقة في