وقالت طائفة: هي أيام الذبح وروي عن طائفة من السلف وهو قول مالك وأبي يوسف وجعلوا ذكر الله فيها ذكره على الذبح وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما ونقل المروذي عن أحمد أنه استحسنه والقول الأول أظهر.
وذكر الله على بهيمة الأنعام لا يختص بحال ذبحها كما قال تعالى {كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}[الحج: ٣٧] وقال تعالى {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}[الحج: ٣٤] وأيضا فقد قال الله تعالى بعد هذا {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ، ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج: ٢٨, ٢٩] فجعل هذا كله بعد ذكره في الأيام المعلومات وقضاء التفث وهو شعث الحج وغباره ونصبه والطواف بالبيت إنما يكون في يوم النحر وما بعده ولا يكون قبله وقد جعل الله يبحانه هذا مرتبا على ذكره في الأيام المعلومات بلفظة "ثم" فدل على أن المراد بالأيام المعلومات ما قبل يوم النحر وهو عشر ذي الحجة.
وأما قوله تعالى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}[الحج: ٢٨] فقيل إن المراد ذكره عند ذبحها وهو حاصل بذكره في يوم النحر فإنه أفضل أيام النحر والأصح أنه إنما أريد ذكره شكرا على نعمة تسخير بهيمة الأنعام لعباده فإن الله تعالى على عباده في بهيمة الأنعام نعما كثيرة قد عدد بعضها في مواضع من القرآن والحاج لهم خصوصية في ذلك عن غيرهم فإنهم يسيرون عليها إلى الحرم لقضاء نسكهم كما قال تعالى {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}[الحج: ٢٧] وقال تعالى {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ}[النحل: ٧] ويأكلون من لحومها ويشربون من ألبانها وينتفعون بأصوافها واوبارها وأشعارها.
ويختص عشر ذي الحجة في حق الحاج بأنه زمن سوقهم للهدي الذي به يكمل فضل الحج ويأكلون من لحومه آخر العشر وهو يوم النحر وأفضل سوق الهدي من الميقات ويشعر ويقلد عند الإحرام وتقارنه التلبية وهي من الذكر لله في الأيام المعلومات.
وفي الحديث "أفضل الحج العج والثج" وفي حديث آخر "عجوا التكبير عجا وثجوا الإبل ثجا".
فيكون كثرة ذكر الله في أيام العشر شكرا على هذه النعمة المختصة ببهيمة الأنعام التي بعضها يتعلق بدين الحاج وبعضها بدنياهم وأفضل الأعمال ما كثر