والقطع مما يعلم أنه خير محض كالمغفرة والرحمة والعفو والعافية والتقى والهدى ونحو ذلك.
ومنها: تمنيه خوف الفتنة في الدين فيجوز حينئذ وقد تمناه ودعا به خشية فتنة الدين خلق من الصحابة وأئمة الإسلام وفي حديث المنام: "وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون".
ومنها: تمني الموت عند حضور أسباب الشهادة اغتناما لحضورها فيجوز ذلك أيضا وسؤال الصحابة الشهادة وتعرضهم لها عند حضور الجهاد كثير مشهور وكذلك سؤال معاذ لنفسه وأهل بيته الطاعون لما وقع بالشام.
ومنها: تمني الموت لمن وثق بعمله شوقا إلى لقاء الله عز وجل فهذا يجوز أيضا وقد فعله كثير من السلف قال أبو الدرداء: أحب الموت اشتياقا إلى ربي وقال أبو عنبسة الخولاني: كان من قبلكم لقاء الله أحب إليه من الشهد.
وقال بعضهم: طال شوقي إليك فعجل قدومي عليك وقال بعضهم: لا تطيب نفسي بالموت إلا إذا ذكرت لقاء الله عز وجل فإنني حينئذ أشتاق إلى الموت كشوق الظمآن الشديد ظمؤه في اليوم الحار الشديد حره إلى الماء البارد الشديد برده وفي هذا يقول بعضهم:
أشتاق إليك يا قريبا نائي ... شوق ظأم إلى الزلال الماء
وقد دل على جواز ذلك قول الله عز وجل:{قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ}[البقرة: ٩٤] وقوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ}[الجمعة: ٦] فدل ذلك على أن أولياء الله لا يكرهون الموت بل يتمنوه ثم أخبر أنهم: {وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}[الجمعة: ٧] فدل على: أنه يكره الموت من له ذنوب يخاف القدوم عليها كما قال بعض السلف: ما يكره الموت إلا مريب وفي حديث عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أسألك لذة النظر إلى وجهك وشوقا إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة" فالشوق إلى لقاء الله تعالى إنما يكون بمحبة الموت وذلك لا يقع غالبا إلا عند خوف ضراء مضرة في الدنيا أو فتنة مضلة في الدين فأما إذا خلا عن ذلك كان شوقا إلى لقاء الله عز وجل وهو المسؤول في هذا الحديث وفي المسند عن أبي