للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هلاكا بل يكون ذلك بلاغا له ويتبلغ به مدة حياته ويعينه على التزود لآخرته وفي هذا إشارة إلى مدح من أخذ من حلال الدنيا بقدر بلغته وقنع بذلك كما قال صلى الله عليه وسلم: "قد أفلح من هداه الله إلى الإسلام وكان عيشه كفافا فقنع به" وقال صلى الله عليه وسلم: "خير الرزق ما يكفي" وقال: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا".

خذ من الرزق ما كفا ... ومن العيش ما صفا

كل هذا سينقضي ... كسراج إذا انطفا

ثم قال صلى الله عليه وسلم: "إن هذا المال خضرة حلوة" فأعاده مرة ثانية تحذيرا من الإغترار به فخضرته منظرة وحلاوته طيب طعمه فلذلك تشتهيه النفوس وتسارع إلى طلبه ولكن لو فكرت في عواقب لهربت منه الدنيا في الحال حلوة خضره وفي المآل مرة كدرة نعمت المرضعة وبئست الفاطمة.

إنما الدنيا نهار ... ضوءه ضوء معار

بينما عيشك غض ... ناعم فيه اخضرار

إذ رماه زمناه ... فإذا فيه اصفرار

وكذلك الليل يأتي ... ثم يمحوه النهار

مثل حرام الدنيا كشجرة الدفلى تعجب من رآها وتقتل من آكلها.

نرى الدنيا وزهرتها فنصبوا ... وما يخلو من الشهوات قلب

فضول العيش أكثره هموم ... وأكثر ما يضرك ما تحب

إذا اتفق القليل وفيه سلم ... فلا ترد الكثير وفيه حرب

الذي بشر أمته بفتح الدنيا عليهم حذرهم من الإغترار بزهرتها وخوفهم من خضرتها وحلاوتها وأخبرهم بخبرابها وفنائها وأن بين أيديهم دارا لا تنقطع خضرتها وحلاوتها فمن وقف مع زهرة هذه العاجلة انقطع وهلك ومن لم يقف معها وسار إلى تلك وصل ونجا في المسند عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه فيما يرى النائم ملكان فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال أحدهما للآخر: اضرب له مثلا فقال: إن مثله ومثل أمته كمثل قوم سفر انتهو إلى رأس مفازة فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة ولا ما يرجعون به فبينما هم كذلك إذا أتاهم رجل في حلة حبرة فقال: أرأيتم إن وردت بكم رياضا معشبة وحياضا رواء أتتبعوني؟ قالوا: نعم قال: فانطلق بهم فأوردهم رياضا معشبة.

<<  <   >  >>