الزرع والثمار وعود الأرض بعد ذلك إلى يبسها والشجر إلى حالها الأول كعود ابن آدم بعد كونه حيا إلى التراب الذي خلق منه.
وفصول السنة تذكر بالآخرة: فشدة حر الصيف يذكر بحر جهنم وهو من سمومها وشدة برد الشتاء يذكر بزمهرير جهنم وهو من زمهريرها والخريف يكمل فيه اجتناء ثمرات الأعمال في الآخرة وأما الربيع فهو أطيب فصول السنة وهو يذكر بنعيم الجنة وطيب عيشها وينبغي أن يحث المؤمن على الإستعداد لطلب الجنة بالأعمال الصالحة كان بعض السلف يخرج في أيام الرياحين والفواكه إلى السوق فيقف وينظر ويعتبر ويسأل الله الجنة ومر سعيد بن جبير بشباب من أبناء الملوك جلوس في مجالسهم في زينتهم فسلموا عليه فلما بعد عنهم بكى واشتد بكاؤه وقال: ذكرني هؤلاء بشباب أهل الجنة.
تزوج صلة بن أشيم بمعاذة العدوية وكانا من كبار الصالحين فأدخله ابن أخيه الحمام ثم أدخله على زوجته في بيت مطيب منجد فقاما يصليان إلى الصباح فسأله ابن أخيه عن حاله فقال: أدخلتني بالأمس بيتا أذكرتني به النار يعني الحمام وأدخلتني الليلة بيتا أذكرتني به الجنة فلم يزل فكري في الجنة والنار إلى الصباح.
دعا عبد الواحد بن زيد إخوانه إلى طعام صنعه إليهم فقام على رؤوسهم عتبة الغلام يخدمهم وهو صائم وهم يأكلون فجعلت عيناه تهملان فسأله عبد الواحد عن سبب بكائه؟ فقال: ذكرت مواد أهل الجنة إذا أكلوا وقام الولدان على رؤوسهم إنما خلقت الدنيا مرآة لننظر بها إلى الآخرة لا لننظر إليها ونوقف معها.
كفى حزنا أن لا أعاين بقعة ... من الأرض إلا ازددت شوقا إليكم
وإني متى ما طاب لي خفض عيشة ... تذكرت أياما مضت لي لديكم
تدقيق النظر والفكر في حال النبات يستدل به المؤمن على عظمة خالقه وكمال قدرته ورحمته فتزداد القلوب هيمانا في محبته وإلى ذلك الإشارة بقوله:{وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[الأنعام:٩٩] .
زمان الربيع كله واعظ يذكر بعظمة موجده وكمال قدرته ويشوق إلى طيب.