للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طول العام وما يأتدمون بحمضه وهو نعم الإدام فهذه التنقلات توجب للعاقل الدهش والتعجب من صنع صانعه وقدرة خالقه فينبغي له أن يفرغ عقله للتفكر في هذه النعم والشكر عليها.

وأما الجاهل فيأخذ العنب فيجعله خمرا فيغطي به العقل الذي ينبغي أن يستعمل في الفكر والشكر حتى ينسى خالقه المنعم عليه بهذه النعم كلها فلا يستطيع بعد الشرب أن يذكره أو يشكره بل ينسى من خلقه ورزقه فلا يعرفه في شكره بالكلية وهذه نهاية كفر النعم.

فواعجبا كيف يعصي الإله ... أم كيف يجحده الجاحد

ولله في كل تحريكة ... وتسكينة أبدا شاهد

وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه الواحد

ومن وجوه الإعتبار في النظر إلى الأرض التي أحياها الله بعد موتها في فصل الربيع بما ساق إليها من قطر السماء أنه يرجى من كرمه أن يحي القلوب الميتة بالذنوب وطول الغفلة بسماع الذكر النازل من السماء وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد: ١٦] إلى قوله: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الحديد: ١٧] ففيه إشارة إلى أن من قدر على إحياء الأرض بعد موتها بوابل القطر فهو قادر على إحياء القلوب الميتة القاسية بالذكر عسى لمحة من لمحات عطفه ونفحة من نفحات لطفه وقد صلح من القلوب كل ما فسد.

عسى فرج يأتي به الله إنه ... له كل يوم في خليقته أمر

إذا اشتد عسر فأرج يسرا فإنه ... قضى الله إن العسر يتبعه يسر

عسى من أحيا الأرض الميتة بالقطر أن يحي القلوب الميتة بالذكر عسى نفحة من نفحات رحمته تهب فمن أصابته سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا.

إذا ما تجدد فصل الربيع ... تجدد للقلب فضل الرجاء

عسى الحال يصلح بعد الذنوب ... كما الأرض تهتز بعد الشتاء

ومن ذا الذي ليس يرجوك ربي ... وربع عطائك رحب الفناء

<<  <   >  >>