من لم يشاركهم في هواهم ويذوق حلاوة نجواهم لم يدر ما الذي أبكاهم من لم يشاهد جمال يوسف لم يدر ما الذي آلم قلب يعقوب.
من لم يبت والحب حشو فؤاده ... لم يدر كيف تفتت الأكباد
كان أبو سليمان يقول: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا وسط الليل للمحبين للخلوة بمناجاة حبيبهم والسحر للمذنبين للإستغفار من ذنوبهم فوسط الليل خاص لخلوة الخواص والسحر عام لرفع قصص الجميع وبروز التواقيع لأهلها بقضاء الحوائج فمن عجز عن مسابقة المحبين في ميدان مضمارهم فلا يعجز عن مشاركة المذنبين في استغفارهم واعتذارهم صحائف التائبين خدودهم ومدادهم دموعهم قال بعضهم: إذا بكى الخائفون فقد كاتبوا الله بدموعهم رسائل الأسحار تحمل ولا يدري بها الفلك وأجوبتها ترد إلى الأسرار ولا يعلم بها الملك.
صحائفنا إشارتنا ... وأكثر رسلنا الحرق
لأن الكتب قد تقرأ ... بغير الدمع لا تثق
لا تزال القصص تستعرض ويوقع بقضاء حوائج أهلها إلى أن يطلع الفجر ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول: هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له هل من داع فأجيب دعوته إلى أن ينفجر الفجر فلذلك كانوا يفضلون صلاة آخر الليل على أوله.
نحن الذين إذا أتانا سائل ... نوليه إحسانا وحسن تكرم
ونقول في الأسحار هل من تائب ... مستغفر لينال خير المغنم
الغنيمة تقسم على كل من حضر الوقعة فيعطي منها الرجالة والأجراء والغلمان مع الأمراء والأبطال والشجعان والفرسان فما يطلع فجر الأجر إلا وقد حاز القوم الغنيمة وفازوا بالفخر وحمدوا عند الصباح السرى وما عند أهل الغفلة والنوم خبر مما جرى.
كان بعض الصالحين يقوم الليل فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته يا أيها الركب المعرسون أكل هذا الليل ترقدون ألا تقومون فترحلون فإذا سمع الناس.