للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآخرة ومشاهدة الملائكة فإن الإيمان والتوبة وسائر الأعمال إنما تنفع بالغيب فإذا كشف الغطاء وصار الغيب شهادة لم ينفع الإيمان ولا التوبة في تلك الحال وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن علي قال: لا يزال العبد في مهل من التوبة ما لم يأته ملك الموت بقبض روحه فإذا نزل ملك الموت فلا توبة حينئذ.

وبإسناده عن الثوري قال: قال ابن عمر: التوبة مبسوطة ما لم ينزل سلطان الموت وعن الحسن قال: التوبة معروضة لابن آدم ما لم يأخذ الموت بكظمه وعن بكر المزني قال: لا تزال التوبة للعبد مبسوطة ما لم تأته الرسل فإذا عاينهم انقطعت المعرفة وعن أبي مجلز قال: لا يزال العبد في توبة ما لم يعاين الملائكة وروي أيضا في كتاب الموت بإسناده عن أبي موسى الأشعري قال: إذا عاين الميت الملك ذهبت المعرفة وعن مجاهد نحوه.

وعن حصين قال: بلغني أن ملك الموت إذا غمز وريد الإنسان حينئذ يشخص بصره ويذهل عن الناس وخرج ابن ماجه حديث أبي موسى مرفوعا قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: متى تنقطع معرفة العبد من الناس؟ قال: "إذا عاين" وفي إسناده مقال والموقوف أشبه وقد قيل: إنه إنما منع من التوبة حينئذ لأنه إذا انقطعت معرفته وذهل عقله لم يتصور منه ندم ولا عزم فإن الندم والعزم إنما يصح مع حضور العقل وهذا ملازم لمعاينة الملائكة كما دلت عليه الأخبار وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر: "ما لم يغرغر" يعني إذا لم تبلغ روحه عند خروجها منه إلى حلقه فشبه ترددها في حلق المحتضر بما يتغرغر به الإنسان من الماء وغيره ويردده في حلقه وإلى ذلك الإشارة في القرآن بقوله عز وجل: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ، وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} [الواقعة: ٨٣, ٨٥] وبقوله عز وجل: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} [القيامة:٢٦] وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن الحسن قال: أشد ما يكون الموت على العبد إذا بلغت الروح التراقي قال: فعند ذلك يضطرب ويعلو نفسه ثم بكى الحسن رحمه الله تعالى.

عش ما بدا لك سالما ... في ظل شاهقة القصور

يسعى عليك بما اشتهيت ... لدى الرواح وفي البكور

فإذا النفوس تقعقعت ... في ضيق حشرجة الصدور

فهناك تعلم موقنا ... ما كنت إلا في غرور

<<  <   >  >>