فإن نزل المرض بالعبد فتأخيره للتوبة حينئذ أقبح من كل قبيح فإن المرض نذير الموت وينبغي لمن عاد مريضا أن يذكره التوبة والإستغفار فلا أحسن من ختام الأعمال بالتوبة والإستغفار فإن كان العمل سيئا كان كفارة له وإن كان حسنا كان كالطابع عليه.
وفي حديث سيد الإستغفار المخرج في الصحيح: أن من قاله إذا أصبح وإذا أمسى ثم مات من يومه أو ليلته كان من أهل الجنة وليكثر في مرضه من ذكر الله عز وجل خصوصا كلمة التوحيد فإنه من كانت آخر كلامه دخل الجنة وفي حديث أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن "من قال في مرضه: لا إله إلا الله والله أكبر لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله فإن مات من مرضه لم تطعمه النار" خرجه النسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه وفي رواية للنسائي: "من قالهن في يوم أو في ليلة أو في شهر ثم مات في ذلك اليوم أو في تلك الليلة أو في ذلك الشهر غفر له ذنبه" ويروى من حديث حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من ختم له بقوله لا إله إلا الله دخل الجنة ومن ختم له بصيام يوم أراد به وجه الله أدخله الله الجنة ومن ختم له بإطعام مسكين أراد به وجه الله أدخله الله الجنة".
كان السلف يرون: أن من مات عقب عمل صالح كصيام رمضان أو عقيب حج أو عمرة يرجى له أن يدخل الجنة وكانوا مع اجتهادهم في الصحة في الأعمال الصالحة يجددون التوبة والإستغفار عند الموت ويختمون أعمالهم بالإستغفار وكلمة التوحيد.
لما احتضر العلاء بن زياد بكى فقيل له: ما يبكيك؟ قال: كنت والله أحب أن أستقبل الموت بتوبة قالوا: فافعل رحمك الله فدعا بطهور فتطهر ثم دعا بثوب جديد فلبسه ثم استقبل القبلة فأومأ برأسه مرتين أو نحو ذلك ثم اضطجع ومات ولما احتضر عامر بن عبد الله بكى وقال: لمثل هذا الصراع فليعمل العاملون: اللهم إني أستغفرك من تقصيري وتفريطي وأتوب إليك من جميع ذنوبي لا إله إلا الله ثم لم يزل يرددها حتى مات رحمه الله وقال عمرو بن العاص رحمه الله عند موته: اللهم أمرتنا فعصينا ونهيتنا فركبنا ولا يسعنا إلا عفوك لا إله إلا الله ثم رددها حتى مات وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله عند موته: أجلسوني فأجلسوه فقال: أنا الذي أمرتني فقصرت ونهيتني فعصيت ولكن لا إله إلا الله ثم رفع رأسه فأحد النظر فقالوا: إنك تنظر نظرا شديدا يا أمير