للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال موسى: يا آدم: أنت أبونا خَيَّبْتَنَا وأخرجتنا من الجنة. فقال له آدم: يا موسى: اصطفاك الله بكلامه، وخطَّ لك التوراة أتلومني على أمر قدَّره عليَّ قبل أن يخلقني؟! قال فحجَّ آدم موسى"١.

وفي هذا أن موسى كلَّمه الله تكليما، وسمع كلامه بلا واسطة.

وأما قوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} ٢ فالوحي أول ما أرى الله الأنبياء في منامهم.

قال الشافعي -رحمه الله- وغيره من العلماء: "رؤيا الأنبياء وحي لقول ابن إبراهيم لما أُمِرَ أبوه في المنام بذبحه: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} ٣ ".

أنواع تكليم الله تعالى لأنبيائه

وأما الكلام من وراء حجاب: فهو كما كلَّم الله موسى من وراء حجاب، وروى البيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن موسى -عليه السلام- قال: يا رب: أرنا الذي أخرجنا ونفسه من الجنة، فأراه الله عز وجل آدم -عليه السلام-، فقال: أنت أبونا آدم؟ فقال له أبونا آدم: نعم، فقال: أنت الذي نفخ الله فيك من روحه، وعلَّمك الأسماء كلها، وأمر الملائكة فسجدوا لك؟ قال: نعم، قال: فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ قال له آدم: فمن أنت؟ قال: أنا موسى، قال: أنت نبي بني إسرائيل الذي كلمك الله من وراء حجاب، لم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه؟ قال: نعم" ٤ إلخ الحديث.

وأما الكلام بالرسالة: فهو إرسال الروح الأمين إلى من شاء من عباده، قال الله –تعالى-: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} ٥ والأحاديث في ذلك كثيرة.

قال البيهقي: وقد كان لنبينا صلى الله عليه وسلم هذه الأنواع الثلاثة:

أما الرسالة: فقد كان جبريل يأتيه بها من عند الله عز وجل.

وأما الرؤيا في المنام: فقد قال الله –تعالى-: {قَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ} ٦.

وأما التكليم: فقد قال الله عز وجل {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} ٧ ثم كان فيما أوحى


١ البخاري: أحاديث الأنبياء "٣٤٠٩" وتفسير القرآن "٤٧٣٨" , ومسلم: القدر "٢٦٥٢" , والترمذي: القدر "٢١٣٤" , وأبو داود: السنة "٤٧٠١" , وابن ماجه: المقدمة "٨٠" , وأحمد "٢/٢٤٨ ,٢/٢٦٤ ,٢/٢٦٨ ,٢/٢٨٧ ,٢/٣١٤ ,٢/٣٩٨ ,٢/٤٤٨ ,٢/٤٦٤" , ومالك: الجامع "١٦٦٠".
٢ سورة الشورى آية: ٥١.
٣ سورة الصافات آية: ١٠٢: ١٠٤.
٤ أبو داود: السنة "٤٧٠٢".
٥ سورة الشعراء آية: ١٩٢.
٦ سورة الفتح آية: ٢٧.
٧ سورة النجم آية: ١٠.

<<  <   >  >>