للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما علمت أحدا من المتقدمين خالف هؤلاء، وجعل نفس الإسلام نفس الإيمان. وكان عامة أهل السنة على هذا الذي قاله هؤلاء كما ذكره الخطابي.

وكذلك ذكر أبو القاسم التيمي الأصبهاني، وابنه محمد شارح مسلم وغيرهما: أنه المختار عند أهل السنة، وأنه لا يطلق على السارق والزاني اسم مؤمن كما دل عليه النص ١.

فصل في تفاضل الناس في التوحيد ولوازمه

إذا تمهدت هذه القاعدة تبين لك أن الناس يتفاضلون في التوحيد تفاضلا عظيما، ويكونون فيه على درجات بعضها أعلى من بعض؛ فمنهم من يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، كما دلت عليه النصوص الصريحة الصحيحة، ومنهم من


١ وقال بعض العلماء: إن نفي الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر معناه أنه في حال تلبسه بما ذكر لا يكون متلبسا بالإيمان بتحريم الله له، كما يدل عليه تقييده بقوله -صلى الله عليه وسلم-: حين يزني وحين يشرب وحين يسرق. أي: بل يكون غافلا عنه، وقال بعضهم: المراد به نفي الإيمان الكامل، وهو الذي بينه في آخر سورة الحجرات، وأول سورة الأنفال، وفي سور أخرى، فهذا هو الذي ينافي الفسق وارتكاب الكبائر، وقد قال الله تعالى في سورة الحجرات: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي".. الآية. فأطلق لقب المؤمنين على المتقاتلين حتى الباغية منهما.
وأما الإسلام فهو العمل بالشريعة، فإن كان اعتقادا قطعيا -وهو الإيمان- كان إسلاما صحيحا، وإلا كان نفاقا ولم يكن إسلاما إلا في الظاهر؛ لأن الإيمان بالاعتقاد الجازم أمر باطني لا يعلمه حق العلم إلا الله –تعالى-، وله آيات ودلائل ذكرت في مواضع من القرآن كما تقدم، والمعصية لا تبطله، وإن كانت كبيرة إلا بالاستحلال، بشرطه الذي تقدم بيانه في رسائل العلامة أبا بطين وحواشيها، وإنما تنافي كماله. وفي الإصرار خطر لا محل لبيانه هنا.

<<  <   >  >>