وله: إني - لا أفقدني الله فائدة ودك - لما فقدت ما كنت تطالعني به من كتبك التي كانت منتزهات بصري، ومراتع لبي، ومسار قلبي، وكنت لا تخليني منها، مبتدئاً ومجيباً، ولا تحوجني إلى التحريك فيها مستطباً أو مستزيداً، أعملت الفكر في ذلك فقلت: أجفوة؟ فكيف يجفو من ليس الجفاء من طبعه، أم نبوة؟ فكيف ينبو الشكل عن شكله، أم شغل؟ فهلاً جعلني من شغله، أم علة؟ فكانت أحرى للنادرة بخبره، أم فرط ثقة منبه بي؟ فذلك لعمري أشبه به، فلما كانت هذه الخلة أثبت في الوهم، وأغلب في الظن سكنت نفسي إليها، وأتت مع سكونها إلا ما عودتها من النعمة بالمكاتبة، والإيناس بخبر السلامة.
سعيد بن حميد: ولكنك - والله يتولى عونك - لا تضعف عن حق وإن عرضت دونه العلل، ولا يتسهل لك سبيل إلى التقصير وإن سهلها العذر.
وله إلى محمد بن عيسى: فأما الوحشة لفراقك فعلى حسب الأنس بقربك، والسرور بمكانك، وما وهب الله منك لإخوانك فإنك بحمد الله ممن لا يدخر بودهم مودة، ولا ينفرد عنهم بنعمة، ولا يؤثر نفسه عليهم في فائدة، ولا يسلمهم عند ثلمة، ولا يخليهم من محافظة ورعاية، ولا أدري أأدعو لك بدوام الحال التي أنت فيها فأعق نفسي، وأوثر برك، إلا أنني أسأل الله أن يحسن لك الاختيار حيث استقرت بك الدار، وتصرفت بك الحال، وأن يقينا فيك نوائب الأقدار، وحوادث الأيام، بمنه وطوله.