سعيد بن حنيف: يا سيد أخيه، ومولى عبده، ونسيج وجده وقريع زمانه، ومالك قلوب إخوانه، أطال الله بقاءك، وقفت من رقعتك - أعزك الله - على ما أذكرني الفراق قبل وقته، وعجل لي الاستيحاش ولم يحن حينه، وهيج - والله - علي أحزاناً قد كان متقادمها دفيناً يرجى زواله، فعاد مكيناً يحذر استفحاله، وأخطر ببالي ذكر أبيات ودعت بها أخاً فارقنا مرتحلاً من طرسوس إلى الرملة، وكان كثير الإخوان، فودعه كل من شيعه من المنادمين بكلام منثور، وشعر مأثور، ونحن إذ ذاك أحداث وأتراب فكتبت إليه:
أبا بكر لئن صرفتك عنا ... تصاريف الحوادث والدهور
لقبلك نحن للشام ارتحلنا ... وإن كنا أقمنا بالثغور
فلم نرحل بأنفسنا ولكن ... بمحض الشوق عن مهج الصدور
فقدت بفقدك الود المصفى ... وأخلاقاً تكشفت عن بدور
أشيعه إلى سفر كأني ... أشيع والدي إلى القبور
وما ودعته إلا ونفسي ... تودعني بتوديع السرور
ولا أتبعته باللحظ إلا ... رددت اللحظ عن طرف حسير
أدافع عن مفارقتيه جهدي ... وكيف دفاع مقدور الأمور
وكان الشهر قبل اليوم يوماً ... فصار اليوم بعدك كالشهور
إذا ما الليل أخلصني محباً ... وأسلمني إلى طرف سهور
أناجي فكرة أدنو وتنأى ... وتنطق حين أسكت عن ضميري
تسافر وهي لو صدقت مناها ... تمنت صدق ها ذاك المسير
إذا لم أستطع بالدمع حزناً ... على يوم الفراق فمن مجيري؟
أما حكم قضى حكم افتراق ... على جمع الأحبة بالقدير