للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الارتجال خلوا تاما. أما هذا النصيب من التجديد الذي يدخله في الكلام فغير شعوري، ناتج عن كسل طبيعي يقنع بما يكون على وجه التقريب، وليس نائشا عن إرادة تحت سلطانها قدرة خالقة.

فالعالم اللغوي سواء ألجأ إلى أقدم اللغات المغروفة أم إلى لغات المتوحشين أم إلى اللغات التي يتعلم الأطفال بها الكلام، فلن يجد أمامه في كل حال إلا بنيانا شيد منذ زمن طويل وتعاقب على العمل فيه أجيال عديدة خلال قرون طويلة. فتبقى مسألة أصلة الكلام خارجة عن نطاق خبرته. والواقع أن هذه المسألة تختلط بمسألة أصل الإنسان وأصل الجماعات البشرية، فهي من اختصاص تاريخ البشرية البدائي. لقد نشأ الكلام بالتدريج مسايرا لتطور دماغ الإنسان ولتكون الجماعة، فمن المستحيل أن يقول في أي صورة بدأ الكائن الإنساني يتكلم، لكن من الممكن أن نحاول تحديد الظروف التي سمحت للإنسان بأن يتكم: وهي ظروف نفسية واجتماعية في نفس الوقت.

أعم تعريف يمكن أن يعرف به الكلام أنه نظام من العلامات١. فدراسة أصل الكلام ترجع إذن إلى البحث عن أي أنواع من العلامات كانت بطبيعتها في متناول الإنسان ثم كيف حمل على استخدامها.

ويجب أن يعنى بالعلامة أي رمز قابل لأن يستخدم للتفاهم بين البشر ... ولما أمكن للعلامات أن تكون متنوعة الطبيعة، أصبح هناك عدة أنواع من اللغات فكل أعضاء الحواس يمكن استخدامها في خلق لغة. فهناك لغة الشم ولغة اللمس ولغة البصر ولغة السمع، وهناك لغة كلما قام شخصان فأضافا معنى من المعاني إلى فعل من الأفعال بطريق الاتفاق وأحدثا هذا الحدث بقصد التفاهم بينهما. فعطر ينشر على ثوب، أو منديل أحمر أو أخضر يطل من جيب سترة أو ضغطة على اليد يطول أمدها قليلا أو كثيرا، كل هذه تكون عناصر من لغة ما دام هناك شخصان قد اتفقا على استعمال هذه العلامات في تبادل أمر أو رأي.


١ ب. لروا رقم ٨٧.

<<  <   >  >>