للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويترتب على ذلك أن أعلم العلماء بالهندية الأوربية لا يستطيع أن يعبر بها عن جملة بسيطة من قبيل "الحصان يجري" أو "البيت كبير". وأقصى ما يصل إليه في الحذق بها ينحصر في قواعد البنية النحوية, فلا يوجد إذن من يستطيع أن يتكلم الهندية الأوربية. ولكن على العالم اللغوي أن يعرف ما هي فصائل هذه اللغة وكيف كانت تعبر عنها، وماذا كانت قيمة اللواحق والخواتم فيها.

وهذا هو المهم لأنه يسمح لنا بإقامة الروابط التاريخية التي تجمع هذه اللغات بعضها ببعض على وسائل لغوية. فمع أن المنهج المقارن يولي وجهه شطر الماضي السحيق، فإنه في الواقع لا يؤتي ثمرته إلا في اتجاه عكسي، لأنه يوضح تفاصيل اللغات الثابتة بالوثائق. وأظهر نتيجة لنحو اللغات الهندية الأوربية المقارن تنحصر في تحديد صلات القرابة بين هذه اللغات١. فكل اللغات الفارسية واللغات السلافية والجرمانية والرومانية والكلتية، إذا اعتبرت من الوجهة الزمنية، تبدو للعالم نتيجة لسلسلة متتابعة من التباين لحالة لغوية واحدة سابقة عليها جميعا، وتسمى بالهندية الأوربية.

هل يمكننا أن نرجع بالتاريخ إلى أبعد من هذا؟ لا شيء يمنع من الاعتقاد في إمكان ذلك. بل إن بعض علماء اللغة المحدثين مقتنع به تمام الاقتناع. ونحن نعرف كيف تكون نحو اللغات الهندية الأوربية المقارن بضمه إلى عدة أنحاء مقارنة أخرى. وإذن فإننا إذا ثابرنا على تفتيش تاريخ اللغات واستخراج القواعد العامة التي تبنى عليها. فقد نصل إلى أن نعيد بناء لغات مشتركة أخرى تكون بالنسبة للهندية الأوربية كالسلافية المشتركة بالنسبة للجرمانية المشتركة أو اللاتينية بالنسبة للإغريقية. أو كالفرنسية بالنسبة للإيطالية إذا لم نرد التوغل في الماضي.

لوحظ منذ زمن طويل وجود بعض مواضع من الشبه بين الهندية الأوربية والفينية الأجرية, وقد وجدت في ميدان السامية -حيث قطع البحث المقارن


١ عن اللغات الهندية الأوربية الجديدة التي اكتشفت بعض وثائقها في أوائل القرن الحالي في آسيا الوسطى، انظر خاصة: مييه وسيلفان ليفي، رقم ٥، "١٩١٠-١٩١٣" ورقم ٦ مجلد ١٧ و١٨؛ وجوتيو: رقم ٥ "١٩١١" ورقم ٧٢ مكرر. وترى عرضا لمجموع النتائج كتبه مييه في مجلة Revue du Mois أغسطس عام ١٩١٢.

<<  <   >  >>