ومهما يكن من شيء، فهناك خلاف جوهري بين الأبجديات المشتقة من الإغريقية والأبجديات المشتقة من اللاتينية. فالأولى قد وضعت بدقة تامة وقام بها أشخاص ذوو حس مرهف بالروابط الصوتية فأظهروا في تسجيلهم لفروق النطق الدقيقة مهارة فائقة, ومن كانت الأبجدية القوطية التي قام بها فلفيلا wulfila أداة لائقة وعلى جانب كبير من الدقة، والأبجدية السلافية التي وضعها سيريل وميتود تعتبر تحفة حقيقية. فما أوسع الفرق بينها وبين أبجدية الإنجليزية السكسونية أو الإيرلندية! فهؤلاء قد ظلوا قرونا طويلة يفتشون عن وسيلة يطبقون بها الأبجدية اللاتينية على لغتهم، ولكنهم لم ينجحوا قط في مسعاهم.
والحقيقة أن وسائل الأبجدية اللاتينية كانت تقصر على الغرض الذي هدفوا إليه, فالنظام الصوتي لكل من هاتين اللغتين يختلف عنه في اللاتينية أشد اختلاف إذ تحتوي اللاتينية على عدد هام من الأصوات الانفجارية، مجهورة كانت أو مهموسة؛ أما الإيرلندية فتمتاز بالأصوات الاحتكاكية، هذا إلى أنها أكثر تنوعا في الأصوات من اللاتينية. والكتابة الإيرلندية قامت شيئا فشيئا ممزقة وعلى فترات، تكونت بعد تحسسات طويلة وبعد سلسلة طويلة متتابعة من الإجراءات الناقصة غير المتصلة؛ لذلك كان تفسيرها يتطلب دائما مجهودا من القارئ, فهي عكس الكتابة القوطية على خط مستقيم، تلك الكتابة التي نشأت دفعة واحدة وبطريقة منهجية في ذهن مبتكرها. ولكن لا ينبغي لنا من ذلك أن نضيف إلى