للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد يكون من المسلى أن يقوم إنسان بالبرهان على أن اللغة التي كتب بها هومير وأفلاطون وأرشميد تفوق لغة شكسبير ونيوتن ودارون أو تتخلف عنها. فقد أمكن لكل هؤلاء أن يعبروا تعبيرا تاما عما أرادوا التعبير عنه، ولكن بوسائل مختلفة. وكلهم يتساوون في الفضل لأن كلا منهم أمكنه أن يجد في لغته العبارة المساوية لفكرته, والواقع أننا لا نعلم إطلاقا لغة قد قصرت عن خدمة إنسان عنده فكرة يريد التعبير عنها, فلا ننصت إذن إلى أولئك المؤلفين العاجزين الذين يحملون لغاتهم مسئولية النقص الذي في مؤلفاتهم، لأنهم هم المسئولون على وجه العموم عن هذا النقص.

نعم، إن من حسن طالع الكاتب أن يجد أمامه تقاليد يسير عليها وأن يستعمل لغة قامت بتحضيرها وصقلها سلسلة طويلة من الكتاب, ولكن الأمر هنا لا يعدو الاختلاف في درجة الصعوبة. يقول ديكارت Descartes في "حديث المنهج": "أولئك الذين يفكرون خير تفكير ويهضمون أفكارهم خير هضم ليجعلوها واضحة مفهومة، يستطيعون دائما أكثر ممن عداهم أن يفهموا الآخرين آراءهم ولو لم يتكلموا غير البريتانية السفلى".

ومع ذلك فإن المسئولية لا تقع كلها على موهبة الكاتب وحدها. إذ يجب أن نعمل حسابا للوسط الذي يعيش فيه أيضا. إذ لما كان المتكلم لا يتكلم إلا ليسمع والكاتب لا يكتب إلا ليقرأ، كان من الضروري للكاتب أن يجد له جمهورا على درجة من الثقافة نسمح له بفهمه. لقد قال نوفون Buffon في مثل ذلك: "لم نصل إلى الكلام الجدي والكتابة الجدية إلا في الصورة المستنيرة". ولو أن بريتانيا أراد أن يكتب مؤلفا فلسفيا بلغته, لتيسر له ذلك على أرجح الفروض؛ ولكن البريتانيين، أو الذين يتكلمون منهم البريتانية على الأقل، لا يحفلون بالفلسفة لسوء الحظ، كما أن الفلاسفة لا يفهمون شيئا في البريتانية على وجه العموم. ولذلك يخشى على صاحبنا ألا يقرأه إنسان ولا يفهمه إنسان, فطاقة اللغة تتوقف على عدد الذين يمارسونها ودرجة تعلمهم, وهذا هو السبب في أن اللغات الكلتية أقل قيمة من اللغات الرومانية أو الجرمانية, ومع ذلك فقد استطاعت الإيرلندية والغاية طوال عصور

<<  <   >  >>