للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أى ينزلونى بالمنزلة السيئة.

وحكى الأزهرى عن بعضهم فى هذه الآية {لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} [الأعراف: ١٧] : "أى لأغوينهم حتى يكذبوا بما تقدم من أمور الأمم السالفة {ومن خلفهم} [الأعراف: ١٧] بأمر البعث {وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف: ١٧] : أى لأضلنهم فيما يعملون؛ لأن الكسب يقال فيه: ذلك بما كسبت يداك، وإن كانت اليدان لم تجنيا شيئا؛ لأنهما الأصل فى التصرف، فجعلتا مثلا لجميع ما يعمل بغيرهما".

وقال آخرون منهم أبو إسحاق والزمخشرى، واللفظ لأبى إسحاق: ذكر هذه الوجوه للمبالغة فى التوكيد، أى: لآتينهم من جميع الجهات، والله أعلم، أتصرف لهم فى الإضلال من جميع جهاتهم.

وقال الزمخشرى: ثم لآتينهم من الجهات الأربع التى يأتى منها العدو فى الغالب، وهذا مثل لوسوسته إليهم وتسويله ما أمكنه وقدر عليه، كقوله:

{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِسَوْطِكَ وَأجْلِبْ عَلَيهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الإسراء: ٦٤] .

وهذا يوافق ما حكيناه عن قتادة: "أتاك من كل وجه غير أنه لم يأتك من فوقك". وهذا القول أعم فائدة ولا يناقض ما قاله السلف، فإن ذلك على جهة التمثيل لا التعيين.

قال شقيق: "ما من صباح إلا قعد لى الشيطان على أربعة مراصد: من بين يدي، ومن خلفى، وعن يمينى، وعن شمالي، فيقول: لا تخف فإن الله غفور رحيم، فأقرأ: {وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِمنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: ٨٢] .

وأما من خلفي فيخوفنى الضيعة على من أخلفه، فأقرأ: {وَمَا مِنْ دَابّةٍ فى الأرْضِ إلا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} [هود: ٦] .

ومن قبل يميني يأتيني من قبل النساء، فأقرأ: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ} [الأعراف: ١٢٨] .

ومن قبل شمالى فيأتيني من قبل الشهوات، فأقرأ: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ: ٥٤] .

قلت: السبل التى يسلكها الإنسان أربعة لا غير، فإنه تارة يأخذ على جهة يمينه، وتارة على شماله، وتارة أمامه، وتارة يرجع خلفه، فأي سبيل سلكها من هذه وجد الشيطان عليها رصدا له، فإن سلكها فى طاعة وجده عليها يُثبِّطه عنها ويقطعه، أو يعوقه ويبطئه، وإن سلكها لمعصية وجده عليها حاملا له وخادما ومعينا وممنيا، ولو اتفق له الهبوط إلى أسفل لأتاه من هناك.

<<  <  ج: ص:  >  >>