للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: أصل التدلية فى اللغة الإرسال والتعليق. يقال: دلى الشىء فى مهواة، إذا أرسله بتعليق. وتدلى الشىء بنفسه. ومنه قوله تعالى: {فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ} [يوسف: ١٩] .

قال عامة أهل اللغة: يقال: أدلى دلوه إذا أرسلها فى البئر. ودلاها بالتخفيف إذا نزعها من البئر، فأدلى دلوه يدليه إدلاء إذا أرسلها، ودلاها يدلوها دلوا، إذا نزعها وأخرجها، ومنه الإدلاء، وهو التوصل إلى الرجل برحم منه، ويشاركه فى الاشتقاق الأكبر الدلالة وهى التوصل إلى الشىء بإبانته وكشفه، ومنه الدل وهو ما يدل على العبد من أفعاله، وكان عبد الله بن مسعود يتشبه برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى هديه ودله وسمته، فالهدى الطريقة التى عليها العبد، من أخلاقه وأقواله وأعماله، والدل ما يدل من ظاهره على باطنه، والسمت هيأته ووقاره ورزانته.

والمقصود: ذكر كيد عدو الله ومكره بالأبوين.

قال مطرف بن عبد الله: "قال لهما إنى خلقت قبلكما، وأنا أعلم منكما، فاتبعانى أرشدكما وحلف لهما، وإنما يخدع المؤمن بالله"، قال قتادة: "وكان بعض أهل العلم يقول من خادعنا بالله خدعنا"، فالمؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم، وفى الصحيح: "أن عيسى بن مريم عليه السلام رأى رجلا يسرق، فقال: سرقت؟ فقال: لا والله الذى لا إله إلا هو، فقال المسيح: آمنت بالله وكذبت بصرى".

وقد تأوله بعضهم على أنه لما حلف له جوز أن يكون قد أخذ من ماله، فظنه المسيح سرقة، وهذا تكلف، وإنما كان الله سبحانه وتعالى فى قلب المسيح عليه السلام أجل وأعظم من أن يحلف به أحد كاذبا، فلما حلف له السارق دار الأمر بين تهمته وتهمة بصره، فرد التهمة إلى بصره لما اجتهد له فى اليمين بالله، كما ظن آدم عليه السلام صدق إبليس لما حلف له بالله عز وجل، وقال: ما ظننت أحدا يحلف بالله تعالى كاذبا.

فصل

ومن كيده العجيب: أنه يشام النفس، حتى يعلم أى القوتين تغلب عليها: قوة الإقدام والشجاعة، أم قوة الانكفاف والإحجام والمهانة؟.

<<  <  ج: ص:  >  >>