وحرم أكل الصيد إذا شك صاحبه هل مات بسهمه أو بغيره، كما إذا وقع فى الماء. وحرم أكله إذا خالط كلبه كلباً آخر، للشك فى تسمية صاحبه عليه.
وهذا باب يطول تتبعه.
فالاحتياط والأخذ باليقين غير مستنكر فى الشرع، وإن سميتموه وسواسا.
وقد كان عبد الله بن عمر يغسل داخل عينيه فى الطهارة حتى عمى.
وكان أبو هريرة إذا توضأ أشرع فى العضد، وإذا غسل رجليه أشرع فى الساقين.
فنحن إذا احتطنا لأنفسنا وأخذنا باليقين وتركنا ما يريب إلى ما لا يريب، وتركنا المشكوك فيه للمتيقن المعلوم، وتجنبنا محل الاشتباه، لم نكن بذلك عن الشريعة خارجين ولا فى البدعة والجين، وهل هذا إلا خير من التسهيل والاسترسال؟ حتى لا يبالى العبد بدينه، ولا يحتاط له، بل يسهل الأشياء ويمشى حالها، ولا يبالى كيف توضأ؟ ولا بأى ماء توضأ؟ ولا بأى مكان صلى؟ ولا يبالى ما أصاب ذيله وثوبه. ولا يسأل عما عهد بل يتغافل، ويحسن ظنه، فهو مهمل لدينه لا يبالى ما شك فيه. ويحمل الأمور على الطهارة، وربما كانت أفحش النجاسة، ويدخل بالشك ويخرج بالشك. فأين هذا ممن استقصى فى فعل ما أمر به، واجتهد فيه، حتى لا يخل بشىء منه، وإن زاد على المأمور فإنما قصده بالزيادة تكميل المأمور، وأن لا ينقص منه شيئاً؟
قالوا: وجماع ما ينكرونه علينا احتياط فى فعل مأمور، أو احتياط فى اجتناب محظور وذلك خير وأحسن عاقبة من التهاون بهذين، فإنه يفضى غالبا إلى النقص من الواجب والدخول فى المحرم، وإذا وازنا بين هذه المفسدة ومفسدة الوسواس كانت مفسدة الوسواس أخف، هذا إن ساعدناكم على تسميته وسواسا، وإنما نسميه احتياطا واستظهارا فلستم بأسعد منا بالسنة، ونحن حولها ندندن، وتكميلها نريد.