وهذا الصراط المستقيم الذى وصانا باتباعه هو الصراط الذى كان عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وأصحابه، وهو قصد السبيل، وما خرج عنه فهو من السبل الجائرة، وإن قاله من قاله، لكن الجور قد يكون جوراً عظيما عن الصراط، وقد يكون يسيراً، وبين ذلك مراتب لا يحصيها إلا الله وهذا كالطريق الحسى، فإن السالك قد يعدل عنه ويجور جوراً فاحشاً، وقد يجور دون ذلك، فالميزان الذى يعرف به الاستقامة على الطريق والجور عنه هو ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عليه، والجائر عنه إما مفرط ظالم، أو مجتهد متأول، أو مقلد جاهل. فمنم المستحق للعقوبة. ومنهم المغفور له. ومنهم المأجور أجراً واحداً، بحسب نياتهم ومقاصدهم واجتهادهم فى طاعة الله تعالى ورسوله، أو تفريطهم.
ونحن نسوق من هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدى أصحابه ما يبين أى الفريقين أولى باتباعه ثم نجيب عما احتجوا به بعون الله وتوفيقه.
ونقدم قبل ذلك ذكر النهى عن الغلو، وتعدى الحدود، والإسراف، وأن الاقتصاد والاعتصام بالسنة عليهما مدار الدين.
قال الله تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِى دِينِكُمْ}[النساء: ١٧١] وقال تعالى: {وَلا تُسْرِفُوا إِنّهُ لا يحِبُّ المُسْرِفِينَ}[الأنعام: ١٤١] وقال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوهَا}[البقرة: ٢٢٩] وقال تعالى: {وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ}[البقرة: ١٩٠] وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنّهُ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ}[الأعراف: ٥٥] .
وقال ابن عباس رضى الله عنهما: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، غداة العقبة وهو على ناقته:
وقال أنس رضى الله عنه: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "لا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدِّدُ اللهُ عَلَيْكُم، فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهمْ فَشَدّدَ اللهُ عَلَيْهِمْ. فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فى الصَّوامِعِ وَالدِّيارِ: رَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ".